وأفادت إحصائيات حديثة للمكتب المركزي للأبحاث القضائية، والمعروف بلقب "إف بي آي" المغربي، باعتباره مكلفاً بالمراقبة والتصدي للجماعات المتطرفة في البلاد، بأن عدد المقاتلين العائدين من صفوف "داعش" إلى المغرب ارتفع عام 2016 إلى 47 عائدا، منهم 39 كانوا في سورية والعراق، و8 في ليبيا، مقابل 24 عائدا فقط خلال 2015.
ويغلب على المقاتلين العائدين من بؤر التوتر إلى المغرب، وفق تصريحاتهم، الندم على الالتحاق بتنظيم "داعش"، وهو ما أشار إليه رشيد المليحي، وهو أحد العائدين الذي قال إنه "اكتشف متأخرا أنه أخطأ في حق نفسه وأسرته عندما آمن بما كان يعتبره جهادا في سورية والعراق".
مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، عبد الحق الخيام، كشف أن "حوالي 200 جهادي مغربي عادوا إلى البلاد في السنوات الأخيرة تم اعتقالهم ليمثلوا أمام القضاء، وهو ما يعني أن أول خطوة تعمد إليها السلطات الأمنية حيال عودة المقاتلين إلى الوطن هو اعتقالهم والتحقيق معهم.
وعزا المسؤول الاستخباراتي المغربي هذا الإجراء الأمني إلى أن "أغلب المقاتلين الذين يسافرون إلى بؤر التوتر، في سورية والعراق وليبيا، يظل هدفهم الرئيسي هو تنفيذ عمليات إرهابية ودموية عندما يرجعون إلى بلدهم الأصلي، حيث ينتظرون فقط الأوامر من قيادات داعش لتنفيذ تلك الهجمات".
ويقول الخبير المغربي في الشؤون الاستراتيجية والأمنية، الدكتور محمد عصام لعروسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المصالح الأمنية في المغرب تبنّت سياسة استباقية لمحاربة الإرهاب، من تجلياتها العمل على منع مغادرة المشتبه في انضمامهم إلى الجماعات الإرهابية".
وتابع لعروسي أن "محاصرة كل المشتبه فيهم، خاصة الذين ليست لديهم سوابق جنائية، تبقى مسألة صعبة، رغم ما يبذله المغرب من مجهودات على صعيد محاربة الإرهاب، في مقاربة تنسيقية وتعاونية تصل الداخل بالخارج عبر التنسيق مع الدول الصديقة".
واسترسل لعروسي بأن "المغرب تبنى نفس السياسة التي اعتمدتها معظم الدول الغربية، من خلال تجريم اللجوء إلى مناطق التوتر، حيث أعلنت منظمة الأمم المتحدة في أبريل 2015 عن وجود أكثر من 22.000 مقاتل قادمين من 100 دولة للقتال في سورية والعراق، من بينهم 1500 مغربي".
واعتبر الخبير المغربي ذاته أن "تشديد الإجراءات الأمنية، واعتماد مقاربة التجريم، والمتابعة القضائية، والتشديد على المواطنين من خلال اعتقال المشتبه في انتمائهم للجماعات الإسلامية المتطرفة، وفي مقدمتها داعش، تدابير تجد ما يبررها في عدة عوامل رئيسية".
العامل الأول، وفق لعروسي، يتمثل في "ارتفاع منسوب العمليات الإرهابية في مختلف أنحاء العالم، وتوقع حصول عمليات إرهابية في المغرب، خاصة بعد حصول عمليات مماثلة في نهاية سنة 2016، وعمليات إرهابية في كل من العراق وتركيا مطلع 2017".
أما العامل الثاني، بحسب المصدر ذاته، فيتجلى في "تخوف المؤسسات الأمنية من تكرار سيناريو التساهل مع عودة المقاتلين المغاربة من أفغانستان، وقيام البعض منهم بإنشاء وتكوين خلايا للسلفية الجهادية، وظهور الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة التي تأسست في أفغانستان".
ويضيف المتحدث عاملا ثالثاً يكمن في "امتلاك معظم العناصر الجهادية في مناطق التوتر، مثل سورية والعراق، على تجربة كبيرة في استعمال الأسلحة والمتفجرات وارتباطها بأجندات المنظمات الإرهابية، حيث أعرب العديد من المقاتلين المغاربة في سورية عن نيتهم القيام بأعمال تخريب في المغرب".
واستطرد المتحدث بأنه في مجال محاربة الإرهاب، ليست هناك مقاربة واحدة حتى في الدول الأكثر ديمقراطية، لكن المؤكد أن الإفراط في توظيف المقاربة القانونية الأمنية القائمة على التجريم والعقاب غالبا ما تعطي نتائج عكسية، وبالتالي يفضل المزاوجة بين أسلوب العقاب من جهة، والإدماج والانصهار داخل المجتمع من جهة ثانية.
ولفت المحلل عينه إلى أن "العديد من المتطرفين خرجوا من السجون المغربية لتنفيذ عمليات إرهابية انفرادية، ويسمون الذئاب المنفردة، واعتبارهم الدولة العدو الأول لهم"، مردفا أن "هذا الإحساس المتضخم بالمظلومية والشعور بالاضطهاد يدفع هؤلاء إلى العيش على هامش المجتمع الذي ينظر إليهم نظرة ارتياب وتخوين".
وأضاف لعروسي أن "هذه الأقلية تحاول التأثير في عقول البسطاء، وأن معظم الدراسات حول مدى نجاعة التدابير الأمنية في مواجهة الإرهاب ترجح اعتماد المقاربة النفسية – الاجتماعية، من خلال بحث وتحليل تأثير البيئة السياسية والاجتماعية التي يعيش فيها المتطرفون وعلاقاتهم الأسرية والاجتماعية التي تدفعهم إلى التطرف..".