لا يمكن اعتبار تظاهرات 15 أبريل/نيسان التي شهدتها شوارع مصر، أمس الجمعة، تحت عنوان "جمعة الأرض"، إلا بداية فصل مهم من فصول إعادة الثورة المصرية إلى مسارها الصحيح، وهي التي تخبّطت طويلاً بفعل الانقسامات الداخلية، التي أجادت الثورة المضادة استثمارها في ظل جهودها الدؤوبة لإعادة البلاد إلى ما قبل 25 يناير/كانون الثاني 2011.
كانت الحيلة الثانية التي استخدمتها وزارة الداخلية لترويع المتظاهرين، هي إقحام جماعة "الإخوان المسلمين" في التظاهرات، لتوجيه رسالة بأن تظاهرات "جمعة الأرض" يمكن أن تتعرض للبطش قتلاً واعتقالاً، مثلما هو الحال مع التظاهرات التي ينظمها مناصرو "الإخوان" منذ الانقلاب. وهي الحيلة التي لم تفلح في ثني المتظاهرين عن الخروج إلى الشارع. وكان نص البيان الأمني تحدث عن "توافر معلومات مؤكدة لدى الأجهزة الأمنية بإطلاق جماعة الإخوان الإرهابية دعوات تحريضية منظمة وتوزيع نشرات تدعو لتنظيم مسيرات تستهدف إثارة الفوضى ببعض الشوارع والميادين واستثمارها في خلق حالة من الصدام بين المواطنين وأجهزة الأمن".
أما السلوك الأمني فقد ارتبط بنشر قوات مكافحة الشغب في مساحات واسعة في المناطق المصرية، خصوصاً في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وكان إغلاق كل الطرق المؤدية لميدان التحرير من أول الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، فيما كان إعادة إغلاق محطة "مترو السادات" داخل الميدان الخطوة التقليدية التي تمارسها وزارة الداخلية كلما أحست بالخطر.
غير أن كل تلك المحاولات من النظام باءت بالفشل، إذ أبدى المتظاهرون جرأة في مواجهة القوى الأمنية، خصوصاً في محيط نقابة الصحافيين وسط القاهرة التي احتشدت فيها قوات العمليات الخاصة، والتي ظهر أنها متأهبة لقمع المتظاهرين إذا ما جاءتها أوامر بذلك. إلا أن هذه القوات اكتفت بإغلاق المنافذ التي يمكن أن تؤدي إلى ميدان التحرير، وبمحاولة إعاقة المتظاهرين في الشوارع الجانبية في القاهرة من الاتصال برفاقهم في محيط نقابة الصحافيين.
وظهر جلياً أن القوى الثورية المختلفة قد وجدت أرضية مشتركة تنطلق منها عبر استثمار خطأ النظام بتغييب الشعب وتنفيذ الاتفاقية التي قضت بأن تؤول جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، فكانت الأصوات التي تدعو إلى العودة للميدان أعلى بكثير من دعوات التثبيط وبث الفرقة، وصارت عملية العودة الجماعية إلى الميدان هي المعنى الحقيقي للاصطفاف. وبدا واضحاً أن القوى الثورية في طريقها للعودة إلى كلمة سواء على أرضية ثورة يناير، وكان هتاف المتظاهرين "إيد واحدة" تأسيساً جديداً لهذه الأرضية التي غابت في سنوات سابقة. وكانت الأيام القليلة السابقة ليوم "جمعة الأرض" قد شهدت جدالاً كبيراً وشداً وجذباً بين القوى الثورية المختلفة بسبب بيان أصدته جماعة "الإخوان المسلمين" تعلن فيه مشاركتها في تلك الفعاليات، فيما كان الصوت الأعلى في ذلك الجدل للشارع الثوري الذي بدا أنه يساع الجميع من دون إقصاء أو مصالح خاصة.
ومن الإشارات المهمة التي أرسلتها تظاهرات أمس أيضاً، أنّ المتظاهرين المحتشدين الذين كانوا طوال ساعات النهار يتزايدون لحظة بعد أخرى، قد استثمروا الوضع العام والسمعة السيئة لوزارة الداخلية في قمع المعارضين، والتي أصبحت الأعين الدولية عليها بعد مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، فكان استخدام القوة من الوزارة في ظل تغطية إعلامية عالمية ليضيف ورقة إدانة إلى الملف الأسود الذي تعاني منه الحكومة. ودوّت حناجر النشطاء المتظاهرين بهتافات تنادي بسقوط النظام، أمام مدرعات الأمن التي تحيط بهم من كل جانب، وكانت القوات المدججة بالسلاح عاجزة عن استخدام العنف، إلا في الشوارع الجانبية البعيدة عن الحشود.
في المقابل، كانت بعض التظاهرات الهزيلة المساندة للنظام تجوب بعض الشوارع وهي ترفع لافتات تؤيد نتائج اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية في ما يتعلق بجزيرتي تيران وصنافير، وتتهم المتظاهرين بالخيانة لأنهم يطالبون بإشراك الشعب في أية قضية تتعلق بسيادة الأرض. كما لم يجد عدد من المثقفين ممن يصطفون في خانة النظام، بُداً من التسليم بأحقية المصريين في الغضب من الطريقة التي عرضت به نتيجة مفاوضات ترسيم الحدود على الشعب المصريين، فيما بدأت حدة بعض الأصوات المحسوبة على النظام في الخفوت بعد أن عاينت نموذجاً مما يمكن أن تقدمه الثورة المصرية في الأيام اللاحقة.