رسالة بوتفليقة
وقال بوتفليقة، في رسالة وجهها إلى الأمة، إنه قرر سحب ترشحه لولاية خامسة، وإن وضعه الصحي لم يكن يساعده على الترشح. وقال في هذا الإطار: "لا محلّ لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنْوِ قط الإقدام على طلبها حيث إن حالتي الصحية وسِنّي لا تتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير اتجاه الشعب الجزائري، وهو العمل على إرساء أسُس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد".
وقرر بوتفليقة إرجاء الانتخابات الرئاسية بسبب الظروف غير المساعدة، وذلك استناداً إلى المادة 107 من الدستور، التي تتيح له تأجيل الانتخابات تحت الظروف القاهرة.
وقال الرئيس الجزائري: "لن يُجرى انتخاب رئاسي يوم 18 إبريل المقبل، استجابة للطلب الملِحّ الذي وجهتموه إلي"، مشيراً الى أنه اتخذ القرار "حرصاً على تفادي كل سوء فهم في ما يخص وجوب وحتمية التعاقب بين الأجيال الذي التزمت به، وبتغليب الغاية النبيلة المتوخاة من الأحكام القانونية التي تكمُن في سلامة ضبط الحياة المؤسساتية، والتناغم بين التفاعلات الاجتماعية والسياسية؛ على التشدد في التقيد باستحقاقات مرسومة سلفاً"، مضيفاً أن "تأجيل الانتخابات الرئاسية المنشود يأتي إذن لتهدئة التخوفات المعبَّر عنها، قصد فسح المجال أمام إشاعة الطمأنينة والسكينة والأمن العام، ولنتفرغ جميعاً للنهوض بأعمال ذات أهمية تاريخية ستمكّننا من التحضير لدخول الجزائر في عهد جديد، وفي أقصر الآجال".
وأعلن الرئيس الجزائري الذي عاد أمس من رحلة علاجية في جنيف، أنه قرر "إجراء تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة، في أقرب الآجال"، مشيراً الى أن هذه "التعديلات ستكون رداً مناسباً على المطالب التي جاءتني منكم، وبرهاناً على تقبلي لزوم المحاسبة والتقويم الدقيق لممارسة المسؤولية على جميع المستويات".
وأعلن بوتفليقة الدعوة في وقت قريب لمؤتمر وفاق وطني يختتم به مساره السياسي، ويكون بمثابة "هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الاصلاحات التي ستشكل أسس النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية، هذا الذي أعتبر أنه مهمتي الأخيرة، التي أختم بها مساري".
ولفت إلى أن هذه "الندوة ستتولى تنظيم أعمالها بحريّة تامة بقيادة هيئة رئيسة تعددية، على رأسها شخصية وطنية مستقلة، تحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه النّدوة على الفراغ من عُهدتها قبل نهاية عام 2019، وستكون عادلة من حيث تمثيل المجتمع الجزائري بمختلف المشارب والمذاهب".
وأكد الرئيس بوتفليقة أن الندوة ستخلص إلى مشروع دستور يطرح على استفتاء شعبي، تتكفل الندوة الوطنية المُستقلة تحديد موعده وموعد تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية التي لن يترشح لها "بأي حال من الأحوال".
وأعلن الرئيس الجزائري نقل صلاحية تنظيم والإشراف على الانتخابات الرئاسية المقبلة إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي يتم "تحديد عهدتها وتشكيلتها وطريقة سيرها بمقتضى نص تشريعي خاص، يستوحى من أنجع وأجود التجارب والممارسات المعتمدة على المستوى الدّولي استجابة لمطلب واسع عبرتْ عنه مختلف التشكيلات السياسية الجزائرية"، ويعد هذا المطلب أبرز مطالب قوى المعارضة السياسية، خلال السنوات الماضية.
وتعهد بوتفليقة بأن يعقب مؤتمر الوفاق الوطني "تشكيل حكومة كفاءات وطنية، تتمتع بدعم مكونات النّدوة الوطنية، وتتولى الإشراف على مهام الإدارة العمومية ومصالح الأمن، وتقدم العون للهيئة الانتخابية الوطنية المستقلة. ومن جانبه، سيتولى المجلس الدستوري، بكل استقلالية، الاضطلاع بالمهام التي يخولها له الدستور والقانون، في ما يتعلَّق بالانتخاب الرئاسي".
ووصف بوتفليقة الخطة المعدلة التي أعلن عنها اليوم بأنها "المخرج الحسن الذي يجنب الجزائر المحن والصراعات وهدر الطاقات"، وتعهد بـ"إخضاع مؤسسات الدّولة وهياكلها ومختلف مفاصلها للإسهام في النجاح التام لخطة العمل هذه"، ما يتيح له تسيلم العهدة الرئاسية "مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته للرئيس الجديد الذي سيختاره الشعب الجزائري بكل حرية".
وتعد الخطة السياسية الجديدة التي طرحها بوتفليقة، نتيجة لرفض الشارع الجزائري تعهدات كان أعلن عنها في رسالة ترشحه في الثالث من مارس/آذار الحالي والمتعلقة بتنظيم مؤتمر وفاق وطني وتعديل الدستور، في حال انتخابه لولاية خامسة.
وذكر بوتفليقة أنه "في الثامن من شهر مارس الجاري، وفي جُمعةِ ثالثة بعد سابقتيها، شهِدت البلادُ مسيرات شعبية حاشدة. ولقد تابَعـْتُ كل ما جرى، وكما سبق لي وأن أفضيت به إليكم في الثالث من هذا الشهر، إنني أتفهمُ ما حرك تِلكَ الجُموعِ الغفيرة من المواطنين الذين اختاروا الأسلوب هذا للتعبيرِ عن رأيهم، ذلكم الأسلوب الذي لا يفوتني، مرَّة أخرى، أن أنوه بطابعه السلمي".
بدوي خلفاً لأويحيى
وبموازاة البيان الرئاسي، والقرارات المهمة التي حملها، أعلن رئيس الحكومة أحمد أويحيى، تقديم استقالته. وكلف الرئيس الجزائري وزير الداخلية الحالي نورالدين بدوي بتشكيل حكومة جديدة.
وتعرّض أويحيى لانتقادات حادة من قبل المتظاهرين، ولمحاكمة شعبية بسبب تصريحاته التي وصفت بالمستفزة ضد المتظاهرين، خاصة بعد تصريحاته التي قال فيها إن الجزائر قد تتحول إلى سورية.
وأفاد بيان للرئاسة الجزائرية بأن بوتفليقة استقبل نور الدين بدوي ورمطان لعمامرة، حيث كلف بدوي بتشكيل الحكومة.
وقد يواجه بدوي انتقادات حادة بسبب منصبه وزيراً للداخلية، حيث توجه إليه قوى المعارضة انتقادات بالمسؤولية في التلاعب بنتائج الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/أيار 2017 والبلدية التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 والتجديد النصفي لمجلس الأمة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي السياق، وقع بوتفليقة مرسوماً رئاسياً يتضمن استحداث منصب نائب لرئيس الحكومة، وعين لشغله وزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة.
وفي سياق آخر، اجتمع الرئيس بوتفليقة بالقيادات الأمنية والعسكرية، واستقبل الفريق أحمد قايد صالح، الذي قدم للرئيس الجزائري تقريراً حول الوضع الأمني على المستوى الوطني، لا سيما على طول الحدود، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية.
وقرر الرئيس الجزائري، في مرسوم رئاسي، سحب استدعاء الهيئة الانتخابية لانتخاب رئيس الجمهورية، وحل الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وإنهاء مهام أعضائها.
وإثر صدور البيان، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن بوتفليقة استقبل كذلك الدبلوماسي الجزائري ووزير الشؤون الخارجية الأسبق، الأخضر الإبراهيمي، بهدف تكليفه برئاسة هيئة رئاسية تشرف على مؤتمر وفاق وطني.
وقال الإبراهيمي، في تصريح للتلفزيون الرسمي عقب اللقاء، إن الرئيس "أخبرني ببعض قرارات الأمة التي هو بصدد اتخاذها، وهي قرارات ستصل قريباً لعلم الناس".
وأعرب الدبلوماسي الجزائري عن "تفاؤله" بـ"صوت الجماهير، وخاصة الشباب"، مضيفاً أن "مرحلة جديدة بناءة وتعالج الكثير من مشاكلنا ستبدأ في المستقبل القريب جداً".
ووصف الإبراهيمي ما يحدث في الجزائر بـ"الأزمة"، مشدداً على أن "الشباب تصرفوا بمسؤولية أثارت إعجاب الناس، ولا بد أن نستمر ونتعامل بالاحترام المتبادل، وأن نحوّل هذه الأزمة، إلى مناسبة بناء".
وكان "العربي الجديد" قد نشر حصرياً صباح اليوم قرار بوتفليقة بتكليف الإبراهيمي برئاسة الهيئة التي تشرف على مؤتمر الوفاق الوطني.
ظهور بوتفليقة واحتفالات محدودة
إلى ذلك، ظهر بوتفليقة، مساء الإثنين، للمرة الأولى بشكل علني منذ توجهه إلى سويسرا في رحلة علاجية في 24 فبراير/شباط الماضي.
وجاء ذلك في فيديو بثه التلفزيون الجزائري الحكومي، أظهر بوتفليقة وهو يستقبل عددًا من المسؤولين، وهم أويحيى والفريق أحمد قايد صالح ونور الدين بدوي ولعمامرة والإبراهيمي.
وكرد فعل على القرارات، خرج جزائريون مساء الإثنين، في احتفالات محدودة، لاسيما في العاصمة ومحافظة جيجل وقسنطينة، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية وشبكات التواصل الاجتماعي.
وانتشرت تغريدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجزائريين تعليقاً على الإجراءات الجديدة اعتبرت ما حدث "مجرد مرحلة أولى ويجب المواصلة"، فيما دعا ناشطون إلى مواصلة التظاهر حتى تحقيق تغيير شامل للنظام.
أول رد فعل دولي
رحب وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، مساء اليوم الإثنين، بقرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة العدول عن الترشح لولاية رئاسية خامسة، و"اتخاذه إجراءات لتحديث النظام السياسي الجزائري".
وقال لودريان، في بيان، إنه "غداة التظاهرات الكبرى التي حصلت بهدوء واحترام في كل أنحاء الجزائر، تعرب فرنسا عن أملها في أن يتم سريعاً إطلاق دينامية جديدة من شأنها تلبية التطلعات العميقة للشعب الجزائري".