يواصل الحراك الشعبي في الجزائر الضغط على قيادة الجيش لدفعها لاتخاذ خطوات سياسية جريئة تحقق المطالب المركزية المتعلقة برحيل بقايا رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبدء خطوات تتيح الذهاب إلى مرحلة انتقالية توافقية.
وبعد 11 جمعة، لم يكلّ الجزائريون من التظاهر للمطالبة بالتغيير السياسي ورحيل رموز النظام، وبدء مرحلة انتقالية، بحيث تجدد الإصرار الشعبي اليوم الجمعة بزخم كبير، رغم الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات، خاصة في العاصمة لمنع التحاق المتظاهرين من ولايات أخرى.
وخرج الآلاف من الجزائريين قبل وعقب صلاة الجمعة إلى الساحات والميادين والشوارع في العاصمة والمدن الجزائرية، للتعبير عن التمسك بالمطالب المركزية المرفوعة منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، إذ تجمع الآلاف في ساحة أودان في قلب العاصمة رافعين شعارات تطالب بـ"التطبيق الفوري للإرادة الشعبية" المتمثلة في رحيل الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، اللذين يصفهما المتظاهرون ببقايا نظام بوتفليقة.
وعُلقت في ساحة أودان لافتات تطالب بمرحلة انتقالية، كُتبت عليها أسماء شخصيات سياسية توافقية مقترحة لقيادة المرحلة، كوزير الخارجية الجزائري الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي.
وككل جمعة، شهدت ساحة البريد المركزي بالعاصمة تجمع الآلاف من المتظاهرين الذين رفعوا شعارات تطالب بمحاسبة رموز الفساد السياسي والمالي، لكن اللافت في الجمعة الـ11 للحراك الشعبي استهداف بعض الشعارات لقائد الجيش الفريق قايد أحمد صالح، ومطالبته بتحقيق مطالب الشعب دون تأخير، ورفض ما يطرحه من حلول سياسية تتمحور حول الحل الدستوري.
وقال الناشط حسين بزينة، لـ"العربي الجديد"، إن "الشعارات التي رُفعت تعبير من المتظاهرين عن أن الفريق أحمد قايد صالح، ورغم أنه يمسك الآن بمقاليد الحكم، فإن ذلك لن يتيح له فرض الخيارات على الجزائريين"، مضيفاً أن "دعوة الجيش للحوار مقبولة إن كانت مباشرة معه للوصول إلى حل سياسي، لكن الحراك الشعبي يرفض تماماً أن يكون هناك حوار مع رموز نظام بوتفليقة، أو تحت رعايتهم"، مشدداً على أنه "ليس ممكناً إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع من يوليو المقبل برعاية بن صالح وبدوي".
وبدا أن التركيز في مظاهرات هذه الجمعة على الجيش ومواقف قائده، التي يصفها الناشطون والقوى السياسية بـ"المرتبكة والمترددة"، يأتي في سياق الضغط لإنهاء حالة التردد بتخلي الجيش عن "الحل الدستوري" الذي قاد البلاد إلى مأزق حقيقي، خاصة بعد تطبيق المادة 102 التي سمحت لبن صالح بتولي إدارة مرحلة مؤقتة من 90 يوماً، ودفعه لتنفيذ حل سياسي بالتوافق مع قوى المعارضة والشخصيات المستقلة ورموز الحراك الشعبي.
ووجهت مظاهرات الجمعة الـ11 رسائل واضحة لقائد الجيش قايد صالح بعدم تراجع الرغبة الشعبية في استبعاد كامل لرموز نظام بوتفليقة، ورفض أية مبررات دستورية يطرحها لبقائهم في السلطة، خاصة بعد الخطابات الأخيرة التي بدا فيها متمسكاً بالنصوص الدستورية، ورافضاً للخروج عليها، عبر تنظيم الانتخابات، رغم وجود شبه إجماع سياسي وشعبي بعدم وجود أية إمكانية لتنظيمها في موعدها المقرر في الرابع من يوليو/ تموز المقبل.
وقال الناشط في الحراك الشعبي عبد الوكيل بلام، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا إمكانية لإجراء الانتخابات في موعدها. هذا غير ممكن.. وعهدة بن صالح تنتهي في التاسع من يوليو/ تموز المقبل، وبالتالي ستكون البلاد أمام حالة فراغ دستوري، لذلك من الأفضل بالنسبة للجيش والقوى السياسية والمدنية استباق ذلك بحل سياسي توافقي طُرحت بشأنه تصورات كثيرة، وهو بالمناسبة لا يبتعد عن الإطار الدستوري، للذهاب إلى مرحلة انتقالية مقبولة تنتهي بانتخابات رئاسية تتوفر ظروفها السليمة".
وبدا أن التشدد الأمني في العاصمة الجزائرية يسير في اتجاه أعلى، ويعود إلى سابق عهده، حيث نشرت السلطات مزيداً من قوات الأمن في وسط العاصمة، وأغلقت للأسبوع الثالث على التوالي النفق الجامعي لمنع المتظاهرين من المرور عبره، كونه الممر الوحيد الذي يمكن المتظاهرين من تنظيم مسيرة بين ساحة البريد المركزي وساحة أودان.
وقبل ذلك، عززت السلطات تواجد الشرطة في وسط العاصمة، وتمركزت قوات مكافحة الشغب في شارعي التحرير ومحمد الخامس، تحسباً للتدخل.
ولم تحدث في مظاهرات العاصمة الجزائرية أية انزلاقات أو حوادث احتكاك بين قوات الأمن والمتظاهرين، إذ حرصت مجموعة من الناشطين على تنظيم سلسلة بشرية للفصل بين الأمن والمتظاهرين لمنع أي احتكاك قد يؤدي إلى تخريب الطابع السلمي للحراك الشعبي.
وسُجّل حضور نسائي لافت في مظاهرات الجمعة، مقارنة مع الجمعات الأخيرة في الحراك، حيث أصرت الناشطات وكثير من النساء الجزائريات على المشاركة، بعد تعبئة وحشد من قبل الناشطين، إثر تسجيل تراجع طفيف في عدد المتظاهرين في الجمعة العاشرة.
وفي آخر جمعة حراك تسبق شهر رمضان، أبقت مدينة برج بوعريريج على تقليد أسبوعي بإنزال لافتات عملاقة في الساحة المركزية وسط المدينة، صممها ناشطون شباب، تتضمن رموزاً وتعابير سياسية.
كما شهدت مظاهرات الحراك الشعبي في مدن بجاية وتيزي ووزو زخماً شعبياً كبيراً، إضافة إلى مدينة عنابة القريبة من الحدود مع تونس، والتي هاجم فيها الناشطون والمتظاهرون حزب جبهة التحرير الوطني، وطالبوا بحله واسترجاع رمز ثورة التحرير كقيمة مشتركة بين كل الجزائريين.
ويتخوف مراقبون من أن يؤدي استمرار الحراك الشعبي، في ظل غياب أي أفق لحل سياسي، إلى كلفة سياسية واقتصادية على البلاد، مشيرين إلى أن ضعف الكيانات والأحزاب السياسية المعارضة يساهم في عدم إنضاج مخارج حلول إلى الآن.
واعتبر المحلل السياسي مبروك كاهي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الجمود المسجل في الوضع السياسي ومراوحة الحراك الشعبي بمكانه يعود إلى الفراغ الذي توجد عليه الساحة السياسية، بفعل ممارسات النظام السابق، ما أوجد أحزاباً بلا فاعلية وبلا قواعد حقيقية".
ولفت كاهي إلى أن البلد قد يتحمل كلفة إضافية في حال تأخر تنفيذ حل سياسي، مشيراً إلى أن الجزائر دخلت "مرحلة المخاوف"، إذ "هناك بعض الشركات الأجنبية التي أنهت أعمالها سريعاً خوفاً من المستقبل، رغم أن انتعاش أسعار النفط قد يخفف من حدة هذه الكلفة، وأيضاً في حال تم تنظيم الانتخابات في موعدها أو بعده بقليل"، مشيراً إلى أن "المؤسسة العسكرية لديها أوراق رابحة، وتستطيع توظيفها في سبيل إجراء الانتخابات وحل الأزمة، ونقل السلطة إلى رئيس منتخب من قبل الشعب، وهذا سيعيد الاطمئنان للمستثمرين".