بعد التفاهمات التي أبرمتها حركة "حماس" الفلسطينية مع تيار القيادي المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان، والتي جرت في القاهرة أخيراً، وجدت "حماس" نفسها مضطرةً لتبرير خطوتها والترويج لها، داخل بيئتها الشعبية وبين عناصرها مع أن المهمة لن تكون سهلة. والصعوبة تكمن في أنّ الحركة ظلت لسنوات طويلة عقب الانقسام الداخلي، تتهم دحلان وتياره ومجموعاته المسلحة التي شكلها في غزة، والتي تصفها "حماس" بـ"فِرق الموت"، بتأجيج الوضع الداخلي، وهو ما أوصل للانقسام والاقتتال الذي توج بسيطرة الحركة على قطاع غزة عام 2007. كما أن دحلان، المسؤول السابق لجهاز "الأمن الوقائي" في غزة، كان المتهم الأول في تعذيب وملاحقة قيادات ومقاومي "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، والتنسيق مع إسرائيل، وهو ما يُصعّب مهمة "حماس" في الترويج لتفاهماتها التي بقي جزء منها غامضاً حتى الآن.
وحتى رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، الذي تحدث الأربعاء الماضي عن سياسات حركته المقبلة، في خطاب شامل، تجنب ذكر دحلان بالاسم، حتى وإن تطرق للتفاهمات الفلسطينية-الفلسطينية التي من شأنها تخفيف الحصار المفروض على القطاع منذ 11 عاماً.
ووفق مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ قيادة "حماس" وعلى رأسها قائد الحركة في القطاع، يحيى السنوار، عقد لقاءات متعددة مع مثقفي وإعلاميي الحركة في الأيام الماضية، لوضعهم في صورة التفاهمات التي طُرحت في الكواليس، وتبديد المخاوف منها. وتشير المصادر إلى أن قيادات "حماس" في المناطق أيضاً وضعت عناصرها ومسؤوليها المحليين في صورة التفاهمات، وأكدّت بما لا يدع مجالاً للشك، أنه طالما أنّ الحركة تسيطر على الوضع الأمني في غزة وتضبطه بشكل تام، فإنّ هذا يمنع أي عودة للاقتتال أو لشبح تشكيل "فرق موت" جديدة في القطاع.
ويقول مقربون من "حماس"، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحركة تتحدث عن التفاهمات من منطلق حماية الحاضنة الشعبية للمقاومة، والتي باتت مُنهكة وتخشى الحركة من ضعفها وتفككها، وهي التي تراهن على الحاضنة الشعبية في أي مواجهة متوقعة مع الاحتلال الإسرائيلي. ويرى الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أنّ شخصية دحلان المثيرة للجدل تجعل هناك فجوة في صعوبة تقبل جمهور حركة "حماس" له، إلا أن "حالة الوعي لدى عناصر وكوادر الحركة تجعلهم يتفهمون التفاهمات الأخيرة معه"، وفق تعبيره. ويقول المدهون في حديث لـ"العربي الجديد" إن العديد من الأسباب والدوافع ستسهل مهمة الحركة، التي تدير شؤون القطاع منذ عام 2007، في شرح توجهها للتفاهم مع دحلان، لا سيما الإجراءات الأخيرة للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، المتمثلة في قطع الرواتب وقطع الدواء ووقف العلاج بالخارج، وتقليص الكهرباء، وغيرها من القرارات العقابية. ويشير إلى أنّ هذه الإجراءات، وفشل العديد من الاتفاقيات التي تمت بين الرئيس عباس و"حماس"، ستجعل عملية شرح الدوافع أسهل على الحركة. غير أن الكاتب يلفت إلى أنّ "حالة التخوف القائمة من دحلان ستبقى قائمة كونه شخصية مثيرة للجدل وهو ما تتفهمه حماس"، وفق قوله.
وفي ذات السياق، يقول الكاتب مصطفى الصواف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حماس" واجهت صعوبة في إقناع قواعدها التنظيمية وهي لا تزال تحاول النزول إلى القواعد من أجل توضيح الصورة بشكل أكبر، خصوصاً أن اللقاءات والتفاهمات جرت بشكل سريع، ولم يجر خلالها تهيئة قواعد الحركة التنظيمية لذلك. ويضيف أن الحركة ستحتاج إلى جهد ميداني من أجل توضيح الصورة لعناصرها وكوادرها التنظيمية، لا سيما في ظل الأحاديث الكثيرة بشأن التفاهم مع القيادي المفصول من حركة فتح، ولضمان عدم اعتمادهم على مصادر أخرى لتلقي المعلومات عن طبيعة التفاهمات معه. ويرجع الكاتب الفلسطيني حالة الصعوبة التي تواجه الحركة من ردة فعل قواعدها التنظيمية إلى الصورة المحفورة عن دحلان تنظيمياً ورسمياً، كونه يوصف بالرجل الدموي خلال فترة وجوده في الأراضي الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص بقطاع غزة. ويوضح أن "حماس" ستحاول تعزيز وصولها لمختلف قواعدها التنظيمية لتبيان طبيعة التفاهمات مع دحلان، والتي سيعمل بها سواء على صعيد الجانب المجتمعي أو إذا كان اتفاقاً سياسياً معه، وستعمل على وضعهم في طبيعة هذه التفاهمات وأسبابها ودوافعها، وفق قول الصواف.