تلاشى نشاط وتطور المسرح اليمني تدريجياً بعد عقود من المحاولات الفردية لإنقاذه من دون جدوى، حتى وصل به الحال إلى الموت السريري الذي هو عليه منذ بدء حرب التحالف السعودي الإماراتي على اليمن في مارس/ آذار 2015. مطلع العام الجاري، أقيم في العاصمة الأردنية "مهرجان المسرح العربي"، بمشاركة أعمال مسرحية من مختلف الدول العربية، باستثناء اليمن الذذي لم يسجل له أي حضور، سواء على مستوى العروض المسرحية أو الفنانين والمخرجين، رغم أن ما يعانيه اليوم -من انقسام وصراع داخلي وحرب خارجية ونزاعات عنصرية وطائفية وعرقية- يشكل بيئة خصبة للعمل المسرحي.
كانت البدايات الأولى للمسرح اليمني في عام 1910، انطلاقًا من عدن، مع أول فريق للتمثيل العربي في المدينة من طلبة الحكومة، حيث قدمت مسرحية "يوليوس قيصر" للكاتب الإنكليزي ويليام شكسبير على مسرح صغير في ميدان التنس بكريتر. صاحب ذلك نشاط فني وثقافي أخذ يتنامى مع الوقت، لكنه بعد قرن من الزمن لم يحقق أي ازدهار يذكر، سوى ما شهدته سبعينيات القرن الماضي، من محاولات جيل الرواد.
عدا ذلك، حافظ المسرح على استمرار بعض النشاطات الموسمية التي انتهى بها الحال إلى اليأس قبل خمس سنوات، مع الحرب التي انعكس أثرها بشكل سلبي على الحياة الفنية والواقع الثقافي، بما في ذلك العمل المسرحي الذي اختفى كلياً بعد عقود زمنية قاتمة ظل خلالها في هامش اهتمام الحكومات المتعاقبة، ورهين قرارها الساعي إلى تحويله من وسيلة توعوية إلى أداة دعائية لمشاريع الظلم والاستبداد والتسلط تحت مسميات عدة. ومع كل ما أخذته الحكومات اليمنية من المسرح، إلا أنها لم توله أي اهتمام، إذ جاء توقفه، بحسب ما يرى مدير عام المسرح اليمني بوزارة الثقافة، أحمد المعمري، نتيجة "عدم دعمه بالصورة الكاملة".
اقــرأ أيضاً
يقول المعمري في حديث إلى "العربي الحديد" إن "الدور الذي يلعبه المسرح، يضع على عاتقه القيام بأعمال هادفة وقريبة من الناس، خاصة في طرح ما تمر به البلاد، من خلال أعمال متنوعة، اجتماعية كانت أو اقتصادية أو حتى سياسية". يضيف: "هنالك بعض الفرق الشبابية تقوم ببعض الأنشطة المسرحية كفعاليات موسمية تقتصر على المناسبات، إلى جانب الأعمال المسرحية الموجّهة، وجميعها تحتاج إلى الدعم الحكومي". لكنه يشعر بالتفاؤل لوعود نائب وزير الثقافة "بإعادة إحياء المسرح اليمني خلال العام الجاري بأعمال وطنية وشعبية لا مثيل لها"، بحسب قوله.
في يمن ما بعد الوحدة عام 1990، سيطرت سلطتان على سدة الحكم، إحداهما دينية متشددة والأخرى قبلية متعصبة إلى أفكارها وعاداتها وتقاليدها الخالدة. شكل اندماج السلطتين قيام حكم ديكتاتوري تسلطي، عمل بكافة الإمكانيات على محاربة كل ما يمكن أن يسهم في تشكيل وعي مجتمعي ثوري قد ينتهي بالإطاحة به، ما أدى إلى خنق الفكر المستنير ومحاربة الفن باعتباره "وسيلة من وسائل الغزو الفكري الغربي الهادف إلى تفكيك المجتمع وضرب قيمه الدينية" كما روج لذلك، في تجاهل مجحف لرسالة الفن الساعية إلى "تقويم السلوك والأخلاق وتحريك المشاعر، وترجمة الواقع إلى أي متغيرات جمالية هادفة"، كما يشير إلى ذلك المخرج المسرحي اليمني نبيل حزام، ويضيف في حديث إلى "العربي الجديد"، أن رسالة المسرح رسالة مؤثرة بشكل كبير، والمجتمع بحاجة إلى استمراريتها للخروج به من حالة الوجع التي خلفتها الحرب إلى نافذة أمل جديدة عن طريق الكلمة الموجهة أو العمل الكوميدي الجميل".
خلال القرن الماضي، بلغت عروض المسرح اليمني ألف عرض عن أكثر من 600 نص محلي، رغم افتقار البلد إلى خشبة مسرح خاصة، سواء في عدن أو صنعاء أو حتى تعز التي هي عاصمة اليمن الثقافية. "وحدها وزارة الإعلام هي التي تمتلك مسرحاً متكاملاً جرى استثماره في التسعينيات حينما كانت الثقافة والإعلام مدمجة في وزارة واحدة، لكن ذلك انتهى بفصل الوزارتين وهجران المسرح الذي عد من نصيب وزارة الإعلام"، بحسب الممثل والمخرج المسرحي عبد الله يحيى إبراهيم، الذي أكد لـ "العربي الجديد" أن هناك أعمال ترميم وصيانة للمسرح المهجور في الوقت الحالي.
عدا ذلك، ظل المسرحيون في ما مضى يقيمون عروضهم في قاعات غير مؤهلة، كقاعة المركز الثقافي في صنعاء التي شهدت أكبر عدد من تلك العروض، وهو ما جعلها تبتعد عن هموم الناس وقضاياهم لاعتبارات تتعلق بالرقابة الحكومية المفروضة على تلك الأماكن.
في عام 2004، احتفى اليمن بصنعاء كعاصمة للثقافة العربية. رصد لذلك الكثير من الأموال والمشاريع غير أنها تجاهلت المسرح، وظل الأخير مقتصراً على عرض أسبوعي وحيد سمي آنذاك "مسرح الأربعاء"، وهو مشروع لم يصمد كثيراً؛ إذ أدى "تجاهل الحكومة وتفكك رواد المسرح إلى تجمعات خفيفة وبسيطة تمارس العمل كطفرات مسرحية نادرة، إلى تراجع كبير" على حد قول إبراهيم. يضيف: "انعدام المسكن والمأوى للمسرح عجّل بموته، لأن الصعوبات التي تواجهنا في التنقل من مكان إلى آخر تزيد بشكل يضيّق الخناق بشدة".
اقــرأ أيضاً
يعاني المسرح اليمني، أيضاً، من شح الإنتاج، ويرجع إبراهيم سبب ذلك إلى "انعدام الدعم وتلاشي الفرق المسرحية وجهات الإنتاج وإهمال القائمين عليه، كما أن تقديم العروض دون تذاكر تدر عائدات على المسرحيين حال دون مواصلة النشاط".
بالتزامن مع ثورات الربيع العربي، شهد اليمن نهضة ثقافية ملحوظة، فتحت الطريق أمام مستقبل جديد للمسرح، لكن غياب التخطيط الاستراتيجي الهادف ضاعف من مشكلاته؛ فإلى جانب كل العراقيل المترافقة منذ نشأة المسرح، دفعت الحرية التي أتاحتها الثورة الكثير من الهواة غير المحترفين إلى الساحة الفنية، "تُرك هؤلاء يعملون بطريقة غير منهجية وعشوائية وبالتالي كان الأثر سلبيا" كما يقول نبيل حزام، ويضيف "اعتقدوا أن مهمتهم هي فقط إضحاك الناس، ولم يدركوا أن الكوميديا وسيلة جميلة لكن التهريج والإسفاف غير محببين، وأضرارهما كبيرة على المجتمع"، أدى ذلك الأثر إلى نزع فاعلية المسرح وأفقده روحه.
من جانبه يرى إبراهيم أن النقاد شركاء في الأثر السلبي، "لأن بعض الأعمال الهزلية التي لا تبنى على منطق أو أساس لم تلق أي اهتمام من جانبهم، بينما يذهب نقدهم اللاذع إلى الأعمال الكبيرة التي هي بحاجة إلى بعض التقويم فقط"، ويرى أن أهم ما يمكن أن يعالج أزمة المسرح اليمني هو بناء خشبة مسرح أكاديمي مؤهل ومجهز بكافة الإمكانيات المطلوبة، من أجل تنفيذ أعمال مسرحية تساعد على حل المشكلات وزرع قيم المحبة والتسامح وبناء الأخلاق.
عدا ذلك، حافظ المسرح على استمرار بعض النشاطات الموسمية التي انتهى بها الحال إلى اليأس قبل خمس سنوات، مع الحرب التي انعكس أثرها بشكل سلبي على الحياة الفنية والواقع الثقافي، بما في ذلك العمل المسرحي الذي اختفى كلياً بعد عقود زمنية قاتمة ظل خلالها في هامش اهتمام الحكومات المتعاقبة، ورهين قرارها الساعي إلى تحويله من وسيلة توعوية إلى أداة دعائية لمشاريع الظلم والاستبداد والتسلط تحت مسميات عدة. ومع كل ما أخذته الحكومات اليمنية من المسرح، إلا أنها لم توله أي اهتمام، إذ جاء توقفه، بحسب ما يرى مدير عام المسرح اليمني بوزارة الثقافة، أحمد المعمري، نتيجة "عدم دعمه بالصورة الكاملة".
يقول المعمري في حديث إلى "العربي الحديد" إن "الدور الذي يلعبه المسرح، يضع على عاتقه القيام بأعمال هادفة وقريبة من الناس، خاصة في طرح ما تمر به البلاد، من خلال أعمال متنوعة، اجتماعية كانت أو اقتصادية أو حتى سياسية". يضيف: "هنالك بعض الفرق الشبابية تقوم ببعض الأنشطة المسرحية كفعاليات موسمية تقتصر على المناسبات، إلى جانب الأعمال المسرحية الموجّهة، وجميعها تحتاج إلى الدعم الحكومي". لكنه يشعر بالتفاؤل لوعود نائب وزير الثقافة "بإعادة إحياء المسرح اليمني خلال العام الجاري بأعمال وطنية وشعبية لا مثيل لها"، بحسب قوله.
في يمن ما بعد الوحدة عام 1990، سيطرت سلطتان على سدة الحكم، إحداهما دينية متشددة والأخرى قبلية متعصبة إلى أفكارها وعاداتها وتقاليدها الخالدة. شكل اندماج السلطتين قيام حكم ديكتاتوري تسلطي، عمل بكافة الإمكانيات على محاربة كل ما يمكن أن يسهم في تشكيل وعي مجتمعي ثوري قد ينتهي بالإطاحة به، ما أدى إلى خنق الفكر المستنير ومحاربة الفن باعتباره "وسيلة من وسائل الغزو الفكري الغربي الهادف إلى تفكيك المجتمع وضرب قيمه الدينية" كما روج لذلك، في تجاهل مجحف لرسالة الفن الساعية إلى "تقويم السلوك والأخلاق وتحريك المشاعر، وترجمة الواقع إلى أي متغيرات جمالية هادفة"، كما يشير إلى ذلك المخرج المسرحي اليمني نبيل حزام، ويضيف في حديث إلى "العربي الجديد"، أن رسالة المسرح رسالة مؤثرة بشكل كبير، والمجتمع بحاجة إلى استمراريتها للخروج به من حالة الوجع التي خلفتها الحرب إلى نافذة أمل جديدة عن طريق الكلمة الموجهة أو العمل الكوميدي الجميل".
خلال القرن الماضي، بلغت عروض المسرح اليمني ألف عرض عن أكثر من 600 نص محلي، رغم افتقار البلد إلى خشبة مسرح خاصة، سواء في عدن أو صنعاء أو حتى تعز التي هي عاصمة اليمن الثقافية. "وحدها وزارة الإعلام هي التي تمتلك مسرحاً متكاملاً جرى استثماره في التسعينيات حينما كانت الثقافة والإعلام مدمجة في وزارة واحدة، لكن ذلك انتهى بفصل الوزارتين وهجران المسرح الذي عد من نصيب وزارة الإعلام"، بحسب الممثل والمخرج المسرحي عبد الله يحيى إبراهيم، الذي أكد لـ "العربي الجديد" أن هناك أعمال ترميم وصيانة للمسرح المهجور في الوقت الحالي.
عدا ذلك، ظل المسرحيون في ما مضى يقيمون عروضهم في قاعات غير مؤهلة، كقاعة المركز الثقافي في صنعاء التي شهدت أكبر عدد من تلك العروض، وهو ما جعلها تبتعد عن هموم الناس وقضاياهم لاعتبارات تتعلق بالرقابة الحكومية المفروضة على تلك الأماكن.
في عام 2004، احتفى اليمن بصنعاء كعاصمة للثقافة العربية. رصد لذلك الكثير من الأموال والمشاريع غير أنها تجاهلت المسرح، وظل الأخير مقتصراً على عرض أسبوعي وحيد سمي آنذاك "مسرح الأربعاء"، وهو مشروع لم يصمد كثيراً؛ إذ أدى "تجاهل الحكومة وتفكك رواد المسرح إلى تجمعات خفيفة وبسيطة تمارس العمل كطفرات مسرحية نادرة، إلى تراجع كبير" على حد قول إبراهيم. يضيف: "انعدام المسكن والمأوى للمسرح عجّل بموته، لأن الصعوبات التي تواجهنا في التنقل من مكان إلى آخر تزيد بشكل يضيّق الخناق بشدة".
يعاني المسرح اليمني، أيضاً، من شح الإنتاج، ويرجع إبراهيم سبب ذلك إلى "انعدام الدعم وتلاشي الفرق المسرحية وجهات الإنتاج وإهمال القائمين عليه، كما أن تقديم العروض دون تذاكر تدر عائدات على المسرحيين حال دون مواصلة النشاط".
بالتزامن مع ثورات الربيع العربي، شهد اليمن نهضة ثقافية ملحوظة، فتحت الطريق أمام مستقبل جديد للمسرح، لكن غياب التخطيط الاستراتيجي الهادف ضاعف من مشكلاته؛ فإلى جانب كل العراقيل المترافقة منذ نشأة المسرح، دفعت الحرية التي أتاحتها الثورة الكثير من الهواة غير المحترفين إلى الساحة الفنية، "تُرك هؤلاء يعملون بطريقة غير منهجية وعشوائية وبالتالي كان الأثر سلبيا" كما يقول نبيل حزام، ويضيف "اعتقدوا أن مهمتهم هي فقط إضحاك الناس، ولم يدركوا أن الكوميديا وسيلة جميلة لكن التهريج والإسفاف غير محببين، وأضرارهما كبيرة على المجتمع"، أدى ذلك الأثر إلى نزع فاعلية المسرح وأفقده روحه.
من جانبه يرى إبراهيم أن النقاد شركاء في الأثر السلبي، "لأن بعض الأعمال الهزلية التي لا تبنى على منطق أو أساس لم تلق أي اهتمام من جانبهم، بينما يذهب نقدهم اللاذع إلى الأعمال الكبيرة التي هي بحاجة إلى بعض التقويم فقط"، ويرى أن أهم ما يمكن أن يعالج أزمة المسرح اليمني هو بناء خشبة مسرح أكاديمي مؤهل ومجهز بكافة الإمكانيات المطلوبة، من أجل تنفيذ أعمال مسرحية تساعد على حل المشكلات وزرع قيم المحبة والتسامح وبناء الأخلاق.