07 نوفمبر 2024
أحزاب لذيذة على المائدة التركية
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أنا جوعان.
ألتقي بابن العم في حديقة سليمان بخجة، من حي عثمان باشا في إسطنبول. ابن العم كردي نمطي، كأنه خرج من رواية سليم بركات "فقهاء الظلام". حجي شخص وسيم، في الستين، مهيوب، بل مرهوب، طويل، حديد، كلمته لا تصير اثنتين، مخّه جلمود... أنا جائع منذ أسبوع، وأعيش على الخبز والشاي، الجيب فارغ، لي مال في "الوسترن يونيون"، لكنّ الجواز انتهت صلاحيته، وإعادة المبلغ، وتغيير اسم المرسل إليه، والعثور على صديق لاستلامه، يقتضي وقتاً. لن يكون ابن العم، فهو ريّاب وشكاك، وصوفي، ولا يقترب من البنوك التي تعمل بالفائدة، وسيظن أنّ "الوسترن يونيون" من أنواع العناكب، أو الكائنات الغامضة التي ستظهر مع يأجوح ومأجوج. لي أصدقاء. لكن، في مناطق بعيدة. حالي مثل حال العيس في البيد، يقتلها الجوع، والمال في "وسترن يونيون" مكنوز. جوعان، وليس في البيت ما يؤكل. أفكر في بقايا الخبز الزائد والقديم بجوار حاويات الزبالة. الترك مثل أهل سورية يقدسون الخبز، ويعلقونه على السياج المجاور.
ينزل ابن العم إلى الحديقة الجميلة بعد صلاة الظهر، والتي تعمل بلدية "العدالة والتنمية" يومياً في تحسينها. نلتقي، ونذرعها طولاً وعرضاً، ثم نجلس ونتحدث في السياسة والدين. بطني تغني مثل الصرصور العاشق، وأخشى أن أقع من الإجهاد. ينتهي لقاؤنا اليومي، عادة، عند قول ابن العم: جعت .. أنا ذاهب للفطور، فهو يفطر في العصر.
الاحتفالات في الشوارع على أشدّها بالانتخابات الرئاسية، أعلامٌ وأغانٍ وصورٌ.. سألت حجي، وبطني تستغيث من الجوع
هل ستنتخب أردوغان؟
يمكن أن أنتخبه في حالة واحدة، إذا طبّق الشريعة.
الشريعة في تركيا، التي خرجت لتوها من فرن العلمانية مخبوزة مقمرة مرشوشة بالسمسم. صعب.
لمَ صعب، وقد كانت الخلافة العثمانية تطبق الشريعة، وترتعد لها فرائص أوروبا؟
-العصر تغير، ابن العم. في تركيا أطباق سياسية ودينية كثيرة اليوم، العلويون، المسيحيون، القوميون، وكلها وجبات، أقصد أحزاباً ليست ضعيفة، والديمقراطية "طيبة" للجميع.
يزمجر: لو كنت محله، لبطشت بهذه الفرق جميعاً.
هل ستمنح صوتك لحزب الشنكليشات الديمقراطية؛ حزب ديمرطاش؟
يتوقف عن السير، وينظر إليّ، وكأنني كفرت: طاش ما طاش.. مستحيل أن أنتخب هذا العميل الإيراني. أتعرف أني كنت أوالي إيران قبل فترة، ثم اكتشفت أنها دولة معادية للأمة.
أم ستنتخب "حراق إصبعو" إحسان أكمل أوغلو؟
- علماني، يضع يده في أيدي الصولجي ( اليسار).
أتعب، وأقترح أن نجلس، أفكر في تغيير الحديث إلى الطعام، عله يدعوني. أعرف أنه مصاب بالسكري. يجب أن تحرص على طعامك من السكريات. وأحاول إظهار معرفتي بالأطعمة، وأخبره بأنني أعرف وصفات عشبية جيدة في معالجة السكر، والدكتاتورية. أشير إلى عائلةٍ تشوي اللحم في الحديقة، مثنياً على الأكل في الهواء العليل، عله يدعوني إلى نزهة.
تأتي لحظة الإعدام، ويضع يده على بطنه: أنا جائع. لا بد أن أختك أم إبراهيم أعدت الإفطار. ينسى أن يدعوني، وهذا مستحيل في سورية، فلو كان عدوك معك، وذكر الطعام لدعوته، ولو دعوة لفظية، لو دعاني لهبيت، مثل المعتصم، لنجدة امرأة عمورية.
تركني وحيداً في الربع الخالي. ليس هناك سوى حل وحيد، هو المتبع من أسبوع. مررت بجانب الحاوية، واختلست كيساً من "الصمّون" المعلق. عدت إلى البيت، وفي دقائق أعددت الشاي، أكلت وشبعت. تمددت سعيداً، فكرت في الغوطة المحاصرة المجوّعة.
الحمد لله.
ألتقي بابن العم في حديقة سليمان بخجة، من حي عثمان باشا في إسطنبول. ابن العم كردي نمطي، كأنه خرج من رواية سليم بركات "فقهاء الظلام". حجي شخص وسيم، في الستين، مهيوب، بل مرهوب، طويل، حديد، كلمته لا تصير اثنتين، مخّه جلمود... أنا جائع منذ أسبوع، وأعيش على الخبز والشاي، الجيب فارغ، لي مال في "الوسترن يونيون"، لكنّ الجواز انتهت صلاحيته، وإعادة المبلغ، وتغيير اسم المرسل إليه، والعثور على صديق لاستلامه، يقتضي وقتاً. لن يكون ابن العم، فهو ريّاب وشكاك، وصوفي، ولا يقترب من البنوك التي تعمل بالفائدة، وسيظن أنّ "الوسترن يونيون" من أنواع العناكب، أو الكائنات الغامضة التي ستظهر مع يأجوح ومأجوج. لي أصدقاء. لكن، في مناطق بعيدة. حالي مثل حال العيس في البيد، يقتلها الجوع، والمال في "وسترن يونيون" مكنوز. جوعان، وليس في البيت ما يؤكل. أفكر في بقايا الخبز الزائد والقديم بجوار حاويات الزبالة. الترك مثل أهل سورية يقدسون الخبز، ويعلقونه على السياج المجاور.
ينزل ابن العم إلى الحديقة الجميلة بعد صلاة الظهر، والتي تعمل بلدية "العدالة والتنمية" يومياً في تحسينها. نلتقي، ونذرعها طولاً وعرضاً، ثم نجلس ونتحدث في السياسة والدين. بطني تغني مثل الصرصور العاشق، وأخشى أن أقع من الإجهاد. ينتهي لقاؤنا اليومي، عادة، عند قول ابن العم: جعت .. أنا ذاهب للفطور، فهو يفطر في العصر.
الاحتفالات في الشوارع على أشدّها بالانتخابات الرئاسية، أعلامٌ وأغانٍ وصورٌ.. سألت حجي، وبطني تستغيث من الجوع
هل ستنتخب أردوغان؟
يمكن أن أنتخبه في حالة واحدة، إذا طبّق الشريعة.
الشريعة في تركيا، التي خرجت لتوها من فرن العلمانية مخبوزة مقمرة مرشوشة بالسمسم. صعب.
لمَ صعب، وقد كانت الخلافة العثمانية تطبق الشريعة، وترتعد لها فرائص أوروبا؟
-العصر تغير، ابن العم. في تركيا أطباق سياسية ودينية كثيرة اليوم، العلويون، المسيحيون، القوميون، وكلها وجبات، أقصد أحزاباً ليست ضعيفة، والديمقراطية "طيبة" للجميع.
يزمجر: لو كنت محله، لبطشت بهذه الفرق جميعاً.
هل ستمنح صوتك لحزب الشنكليشات الديمقراطية؛ حزب ديمرطاش؟
يتوقف عن السير، وينظر إليّ، وكأنني كفرت: طاش ما طاش.. مستحيل أن أنتخب هذا العميل الإيراني. أتعرف أني كنت أوالي إيران قبل فترة، ثم اكتشفت أنها دولة معادية للأمة.
أم ستنتخب "حراق إصبعو" إحسان أكمل أوغلو؟
- علماني، يضع يده في أيدي الصولجي ( اليسار).
أتعب، وأقترح أن نجلس، أفكر في تغيير الحديث إلى الطعام، عله يدعوني. أعرف أنه مصاب بالسكري. يجب أن تحرص على طعامك من السكريات. وأحاول إظهار معرفتي بالأطعمة، وأخبره بأنني أعرف وصفات عشبية جيدة في معالجة السكر، والدكتاتورية. أشير إلى عائلةٍ تشوي اللحم في الحديقة، مثنياً على الأكل في الهواء العليل، عله يدعوني إلى نزهة.
تأتي لحظة الإعدام، ويضع يده على بطنه: أنا جائع. لا بد أن أختك أم إبراهيم أعدت الإفطار. ينسى أن يدعوني، وهذا مستحيل في سورية، فلو كان عدوك معك، وذكر الطعام لدعوته، ولو دعوة لفظية، لو دعاني لهبيت، مثل المعتصم، لنجدة امرأة عمورية.
تركني وحيداً في الربع الخالي. ليس هناك سوى حل وحيد، هو المتبع من أسبوع. مررت بجانب الحاوية، واختلست كيساً من "الصمّون" المعلق. عدت إلى البيت، وفي دقائق أعددت الشاي، أكلت وشبعت. تمددت سعيداً، فكرت في الغوطة المحاصرة المجوّعة.
الحمد لله.
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
24 أكتوبر 2024
10 أكتوبر 2024
26 سبتمبر 2024