24 أكتوبر 2024
أظلم من حكم الحمير
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
كنا قبل عقود شعباً كريماً من الوعول والظباء والمها وأنواع الغزلان، وكلها من ذوات القرون، وحدث أن استولى الحمير على السلطة، في حركة انقلابية سريّة، أُطلق عليها اسم ثورة. كانوا متنكّرين في زي الوعول. وضعوا على رؤوسهم قرونا شجريةً ضخمة، فخُدعنا، واستتب لهم الأمر بالمذابح، وأصدروا دستوراً جديداً يحرّم القرون تحريماً، واستوردوا مادةً أيديولوجيةً تدهن بها الرؤوس، فتتيبّس بها القرون، مثل ورق الخريف، وتضعف الملكات العقلية أيضاً.
تحولت رؤوسنا في عهد الحمير إلى رؤوس بصلٍ أو زوائد دودية. أحرقت كتب التاريخ، وراجت مجلات التسلية، ومسلسلات الخيال غير العلمي، وحظرت قصص القرون الخوالي، وأطلق العنان لمسابقات الرفس والطرب، ورُفعت شعاراتٌ مضحكة مثل: "رفعة العَلَم في قوة القَدم"، "البأس في الرفس"، "من ليس له حافر فهو كافر ابن كافر"، "لا صوت يعلو على صوت النهيق"، "الحميرية طريقنا إلى الاشتراكية"، وشعار: "نهيق، حميرية، ترافسية".
وعُدّتْ القرون سلاحاً يهدّد الحمار الأهلي، وتوهيناً لروح البهيمية، وإضعافاً للشعور الحميري القطيعي. ودسّْت الحمير الذكية الممسكة بالسلطان والصولجان والبرلمان، العيون والأنوف للبحث عن كل من تسوّل له نفسه أن يربّي قروناً، وصار الشعار السري لشعب الوعول: "كناطحٍ صخرة يوماً ليفلقها، فلمْ يضرها وأوهى قرنهُ الوعلُ"، وحيثما توجه الوعول وجدوا حميراً تنهق، أو بغالاً ترفس، وامتلأت السجون والمعتقلات بأصحاب القرون الكرام. ولصعوبة نشر القرون الأصيلة بمناشير الحمير الصدئة، أو لحماقة الحمير وضعف مهاراتها. كانت الرؤوس تقطع من العنق، فالذبح أسهل من النشر. وكانوا يأخذون الجمجمة للزينة والتحنيط في الصالونات. فرضت الحمير قوانين الطوارئ والأحكام الجحشية، بذريعةٍ واهية، وهي: خدش سقف الوطن، وعدّت القرون أسلحة ممنوعة، تلحق الأذى بثمار الأشجار.
وكانت الوعول قبل حكم الحمير تعاني من الذئاب، فترحّمنا على تلك الأيام، فالذئاب تقتل وعلاً أو عشرة، ثم تكتفي، أما الحمير فتسببت بفساد شامل ومطلق.
صدّرت الحمير لحومنا في معلباتٍ، أو مثلجةً في برّادات، أمّا مسك الغزلان، فكان يحلب ويعلّب في زجاجات وحِقاق من العاج، ويصدر إلى بلاد الذئاب، حتى تتعطر بها من جرائمها الاستعمارية.
وكان لبعض الوعول الأصيلة المعتقلة في فروع الأمن قرونٌ من العاج، تنشرها المخابرات الحميرية، وتتاجر بها في السوق السوداء، فهاجرت فحول الوعول إلى الشمال هرباً بكرامتها، وصار شعار الأمة هو "العلمانية الحميرية" الداعية إلى الفصل بين "دولة الحوافر ودين القرون"، ومُلئت الساحات بأنصاب تذكارية للحوافر.
ودارت السنون، وظهر جيل جديد نمت له قرونٌ ضامرة، حرصت الوعول الحكيمة على إخفائها بآذان الحمير الصناعية والقبعات، واستعاروا ذيولاً، تقيةً وتنكراً في هيئة حمير.
وكانت الذئاب تهجم علينا، فتفترس منا ما تفترس، لفقرنا إلى سلاح القرون، فكنا نقع بين نارين: الذئاب وأنيابها، والحمير وغبائها. فنشكو إلى السلطات، فتقول لنا: اصبروا.. لم يحن الوقت، نحن نعمل على التوازن الاستراتيجي، ونطور فنَّ الرفس بالرقص على سنجة عشرة.
ظهر الفساد في البر والبحر والفضاء، وانتشر الجوع، وعملت شعوب الوعول والغزلان في خدمة الحمير، وأُوكل غزال المسك بنقل القمامة والدسائس التي كانت حكومة الحمير تُثيب عليها، وكثرت الأغاني التي تتغنى بالحوافر، ونظّمت مسابقات ملكات جمال الذيل، وانتشرت رياضةٌ شبيهة بكرة القدم اسمها "كرة الرفس"، وظهرت ظبياتٌ على التلفزيون يُقبّلن الحافر المقدس، وكل من ظهرت له قرون اتهم بالمؤامرة، وكانت الحمير أقليّة، فاستوردت حمير الوحش غير الشعبية، من أجل التوازن الديمغرافي.
ولا يزال حكم الحمير المزودة بحوافر فولادية مصنوعة في الغرب، قوياً، وقد اكتسبتْ خبرة، فطعّمتْ الحكم ببعض الوعول المستحمرة التي تظهر أحياناً في نشرات الأخبار لذرِّ الرماد في العيون، وهي إما متصاهرة مع الحمير نكاحاً، أو أنها تجاهد في التأكيد على أنها حميرٌ بتطويل آذانها، أو تبالغ في رفس أبناء شعبها من الوعول بالرأس ونطحا بالأظلاف، أو نهيقاً إلى حد الطرب، لإظهار الولاء للحمير، فنترحم على عهد الحمير، كما ترحمنا على عهد الذئاب التي كانت تفترس منّا القاصية.
تحولت رؤوسنا في عهد الحمير إلى رؤوس بصلٍ أو زوائد دودية. أحرقت كتب التاريخ، وراجت مجلات التسلية، ومسلسلات الخيال غير العلمي، وحظرت قصص القرون الخوالي، وأطلق العنان لمسابقات الرفس والطرب، ورُفعت شعاراتٌ مضحكة مثل: "رفعة العَلَم في قوة القَدم"، "البأس في الرفس"، "من ليس له حافر فهو كافر ابن كافر"، "لا صوت يعلو على صوت النهيق"، "الحميرية طريقنا إلى الاشتراكية"، وشعار: "نهيق، حميرية، ترافسية".
وعُدّتْ القرون سلاحاً يهدّد الحمار الأهلي، وتوهيناً لروح البهيمية، وإضعافاً للشعور الحميري القطيعي. ودسّْت الحمير الذكية الممسكة بالسلطان والصولجان والبرلمان، العيون والأنوف للبحث عن كل من تسوّل له نفسه أن يربّي قروناً، وصار الشعار السري لشعب الوعول: "كناطحٍ صخرة يوماً ليفلقها، فلمْ يضرها وأوهى قرنهُ الوعلُ"، وحيثما توجه الوعول وجدوا حميراً تنهق، أو بغالاً ترفس، وامتلأت السجون والمعتقلات بأصحاب القرون الكرام. ولصعوبة نشر القرون الأصيلة بمناشير الحمير الصدئة، أو لحماقة الحمير وضعف مهاراتها. كانت الرؤوس تقطع من العنق، فالذبح أسهل من النشر. وكانوا يأخذون الجمجمة للزينة والتحنيط في الصالونات. فرضت الحمير قوانين الطوارئ والأحكام الجحشية، بذريعةٍ واهية، وهي: خدش سقف الوطن، وعدّت القرون أسلحة ممنوعة، تلحق الأذى بثمار الأشجار.
وكانت الوعول قبل حكم الحمير تعاني من الذئاب، فترحّمنا على تلك الأيام، فالذئاب تقتل وعلاً أو عشرة، ثم تكتفي، أما الحمير فتسببت بفساد شامل ومطلق.
صدّرت الحمير لحومنا في معلباتٍ، أو مثلجةً في برّادات، أمّا مسك الغزلان، فكان يحلب ويعلّب في زجاجات وحِقاق من العاج، ويصدر إلى بلاد الذئاب، حتى تتعطر بها من جرائمها الاستعمارية.
وكان لبعض الوعول الأصيلة المعتقلة في فروع الأمن قرونٌ من العاج، تنشرها المخابرات الحميرية، وتتاجر بها في السوق السوداء، فهاجرت فحول الوعول إلى الشمال هرباً بكرامتها، وصار شعار الأمة هو "العلمانية الحميرية" الداعية إلى الفصل بين "دولة الحوافر ودين القرون"، ومُلئت الساحات بأنصاب تذكارية للحوافر.
ودارت السنون، وظهر جيل جديد نمت له قرونٌ ضامرة، حرصت الوعول الحكيمة على إخفائها بآذان الحمير الصناعية والقبعات، واستعاروا ذيولاً، تقيةً وتنكراً في هيئة حمير.
وكانت الذئاب تهجم علينا، فتفترس منا ما تفترس، لفقرنا إلى سلاح القرون، فكنا نقع بين نارين: الذئاب وأنيابها، والحمير وغبائها. فنشكو إلى السلطات، فتقول لنا: اصبروا.. لم يحن الوقت، نحن نعمل على التوازن الاستراتيجي، ونطور فنَّ الرفس بالرقص على سنجة عشرة.
ظهر الفساد في البر والبحر والفضاء، وانتشر الجوع، وعملت شعوب الوعول والغزلان في خدمة الحمير، وأُوكل غزال المسك بنقل القمامة والدسائس التي كانت حكومة الحمير تُثيب عليها، وكثرت الأغاني التي تتغنى بالحوافر، ونظّمت مسابقات ملكات جمال الذيل، وانتشرت رياضةٌ شبيهة بكرة القدم اسمها "كرة الرفس"، وظهرت ظبياتٌ على التلفزيون يُقبّلن الحافر المقدس، وكل من ظهرت له قرون اتهم بالمؤامرة، وكانت الحمير أقليّة، فاستوردت حمير الوحش غير الشعبية، من أجل التوازن الديمغرافي.
ولا يزال حكم الحمير المزودة بحوافر فولادية مصنوعة في الغرب، قوياً، وقد اكتسبتْ خبرة، فطعّمتْ الحكم ببعض الوعول المستحمرة التي تظهر أحياناً في نشرات الأخبار لذرِّ الرماد في العيون، وهي إما متصاهرة مع الحمير نكاحاً، أو أنها تجاهد في التأكيد على أنها حميرٌ بتطويل آذانها، أو تبالغ في رفس أبناء شعبها من الوعول بالرأس ونطحا بالأظلاف، أو نهيقاً إلى حد الطرب، لإظهار الولاء للحمير، فنترحم على عهد الحمير، كما ترحمنا على عهد الذئاب التي كانت تفترس منّا القاصية.
دلالات
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
10 أكتوبر 2024
26 سبتمبر 2024
12 سبتمبر 2024