إياد نصّار والنجومية المستحقّة
منذ بداياته الأولى على خشبة المسرح ممثلا منخرطا في المسرح التجريبي الجادّ، لفت الفنان الأردني، إياد نصّار الأنظار بموهبته المتفرّدة ممثلا واعدا لديه طموح عال، مقنعا في كل أعماله إلى حد كبير، كونه يتقمص بإخلاص شديد ملامح الشخصية التي يؤدّيها بحضوره الهادئ والرزين والدمث، رغم طغيانه أحيانا، ما أهّله لتقديم أدوار مركّبة صعبة، ذات بعد نفسي معقد تتطلب مهارات خاصة. وسرعان ما لمع نجمه عربيا بعد أن استقطبه صنّاع الدراما المصرية، مشاركا في عشرات الأعمال السينمائية والتلفزيونية، ما كرّسه ممثلا من الوزن الثقيل، ووضعه في مصافّ كبار نجوم مصر، وذلك ليس هيّنا في مواجهة تحدّيات كثيرة، منها التنافس مع أبناء جيله، متخطّيا صعوبات إتقان اللهجة المصرية، فارضا حضوره بينهم، باجتهاده ومثابرته وشغله الدائم على تطوير نفسه وتعميق تجربته.
حصد إياد نصّار الجوائز وإشادة النقاد وإعجاب الجمهور، لعل شخصية حسن البنا في مسلسل "الجماعة" كانت بمثابة جواز سفر لتثبيت حضوره في المشهد الدرامي المصري والعربي، قدّم بعدها أدوارا لا تقل أهمية، مثل دوريه في مسلسلي "الاجتياح" و"صرخة أنثى"، وغيرهما الكثير من الأدوار النوعية التي تركت أثرا لدى الجمهور. وقد تألق نصّار على نحو خاص، وتفوق على نفسه، وأثبت قدراته الدرامية العالية في مسلسل "وش وضهر"، وهو من عشر حلقات، إلى جانب الممثلة القديرة ريهام عبد الغفور التي أبدعت في تشخيص دور البنت الشعبية البسيطة الساعية إلى الحب. عرض العمل، أخيرا، على منصّة "شاهد" محققا أعلى نسب مشاهدات، ساهم في ذلك النجاح الباهر النص المتقن الذي أبدعه قلما أحمد بدوي وشادي عبد الله، وأخرجته المخرجة والسيناريست مريم أبو عوف.
نجا العمل المتقن الثري المكثف من أعراض الترهل وفائض الثرثرة والإطالة والافتعال التي تصيب معظم الأعمال الدرامية، وهي تمط العمل غصبا، لغايات إنتاجية ربحية، إلى ثلاثين حلقة، تتناسب ومتطلبات الموسم الرمضاني. تألق إياد وتجلى وأبدع في تأدية دور جمال، الشاب المهزوز المقهور، المقموع الذي انكسر حلمه بأن يصبح طبيبا، وارتضى عمله موظفا بسيطا في شركة أدوية، مقموعا في بيته من زوجة متسلطة تحطّ من شأنه في كل مناسبة، وتعبر في كل مناسبة عن خيبة أملها من حظها العاثر في زواج الصالونات الذي تورّطت به من رجل فاشل ضعيف الشخصية، إلى أن تغير المصادفة مسار حياته كليا. يجد نفسه قد حصل بالخطأ على مبلغ كبير سلبته عصابة من موظفين فاسدين في الشركة. قرّر حينها التمرّد على واقعه البائس غير المشرق، والهرب من جحيم حياته الزوجية إلى مدينة طنطا، حيث بدأ حياة جديدة مختلفة، انتحل فيها شخصية طبيب، مستفيدا من عمله في السابق مساعدا في عيادة طبيب مشهور في القاهرة. افتتح الطبيب المزيف عيادته في منطقة شعبية، ونال شهرة واسعة، باعتباره طبيب الغلابة البارع الذي أحبه أهل طنطا، وحظي بالحب والزواج السعيد والأمان والمكانة الاجتماعية، قبل أن يفتضح أمره، وينال العقوبة راضيا، ويقضي سنتين في السجن، ليخرج بعدها متخففا من الكذبة الكبرى، ويجد الزوجة الوفية بانتظاره بطاقة الحب نفسها التي غمرته بها منذ لحظة تعارفهما. وقد أدهشها مقدار تسامحه مع ماضيها، وتغاضيه عن عملها السابق راقصة في الأفراح، مطمئنة إلى أنه يجهل ذلك.
أتقن إياد، إلى حد بعيد، تأدية الشخصية غريبة الأطوار الهشّة الحزينة الساخرة، تغلغل في دواخلها، عبر عن توقها ووجعها وتناقضها، فأحبها المتلقي وتعاطف معها، ووجد لها العذر في لجوئها إلى الاحتيال وسيلة وحيدة للهروب من قسوة الواقع، وتجنّيه على الضعفاء المسحوقين. .. تحية إلى صنّاع العمل مكتمل عناصر الجمال، في زمان الاستسهال، وتحية أكبر إلى نجمنا المحبوب إياد نصّار، وهو يواصل إدهاش محبّيه في كل مرّة!