الإخوان يقصفون مواقع العلمانية

03 مارس 2019

(عمران يونس)

+ الخط -
الثورة السورية طالت، ولهذا صارت الأشياء المسلية تنبع من داخلها. كل يومين، أو ثلاثة، تظهر قضيةٌ تنشغل بها وسائلُ التواصل الاجتماعي، ولا يتوقّف الأخذ والرد فيها حتى تظهر قضيةٌ أخرى. يَعرف الإخوان المسلمون، مثلاً، أن الثورة انهزمت، وإذا كانت الثورات تمرّ بمراحل متتالية، فعلى الأقل ثورتنا انهزمت في مراحلها الأولى، وربما أدرك "الإخوان"، في قرارة أنفسهم، أن سعيهم إلى أسلمتها، منذ البداية، هو أحد الأسباب الرئيسية للهزيمة، ولكنهم لا يعترفون بذلك، بل يزعمون أنهم "وسطيون"، ويحاولون التبرّؤ من التنظيمات الإسلامية المتطرّفة التي نمت خلال الثورة. ولكن هذا لم يقنع أغلبية الناس، فـ"الإخوان" والآخرون كلهم ذوو مرجعية واحدة، وما الخلافاتُ التي تنشأ بينهم أحياناً سوى اجتهادات مَنْ أصاب فيها له أجران، ومن أخطأ له أجر واحد.
كان حريّاً بالإخوان المسلمين أن يُجْرُوا مراجعاتٍ طويلةً لسياساتهم، انطلاقاً من الإحساس بالهزيمة، ولكنهم، في حدود معرفتي، لم يفعلوا، وبدلاً من المراجعات ذهبوا باتجاه الهجوم على العَلمانية والسخرية منها. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يُجِلُّه "الإخوان" قال، في إحدى مقابلاته، إن صفة العلمانية تُطْلَقُ على الدول وليس على الأفراد، ومع هذا راح "الإخوان" يشتغلون، في الآونة الأخيرة، على مهاجمة أشخاصٍ معينين، باعتبارهم رموزاً للعلمانية.
لا أتحدّث عن "إخوان مسلمين" أنفار، صغار، وإنما عن القِرَم الكبيرة. الإخوانيون الأنفار يستسهلون هذه الحرب، فما إن يُطلق أحدُهم صفة "عَلماني" على شخصٍ ما حتى يُتْبِعَها بكلمة "كلب". وفي بعض الأحيان، يضيف عليها مترادفاتٍ غير مترابطة، فيقول: علماني كلب، طائفي، خنزير، شبيح، واطي.. وأما الإخوانيون الكبار فيلعبون (على التقيل).. مثلاً: قبل مدة، خرج الأستاذ ملهم الدروبي ليتساءل: ماذا قدّم العَلمانيون للثورة؟ هو يقصد أنهم لم يقدّموا للثورة شيئاً على الإطلاق، بل لعلهم قدّموا لها الضرر والمشكلات والإرباكات.
لا يجوز، بالطبع، استخدام مصطلح "الثورة" من هذين الطرفين المتناقضين، فـ"الإخوان"، والتيارات الإسلامية التي انبثقت عنهم، يريدونها ثورةً إسلامية، توصلنا إلى دولةٍ تطبق شرع الله بالكامل، أو دولةٍ تسمح بتطبيق بعض القوانين المدنية المستمدة من روح الإسلام. والمتساهلون منهم يقولون إنه لا بأس أن تكون القوانين كلها مدنية، ولكن، بما لا يتعارض مع شرع الله.. وأما العلمانيون فقد ثاروا، نظريّاً، من أجل الحرية والديمقراطية وفصل الدين كُلِيَّةً عن الدولة. وهذا يقود إلى استنتاجٍ قد يبدو غريباً، هو أن الأخ الدروبي كان يقصد بتساؤله أن العلمانيين لم يقدّموا شيئاً للثورة الإسلامية التي يديرها الإخوان المسلمون، وتهدف إلى تولي الدين شؤونَ الدولة المتوخاة، ولهذا فهم مدانون.
يوم صَنَّفَ أحمد كنعان مفكرَنا الراحل صادق جلال العظم في خانة الآبقين، شَغَلَتْ وسائلَ التواصل الاجتماعي فكرةٌ مفادُها بأن هذا اجتهاد شخصي من كنعان، وأن مدير مركز الشرق العربي للدراسات، زهير سالم، الناطق الرسمي سابقاً باسم جماعة الإخوان في سورية، كان وراء حذف المادة من الموقع، هذا باعتبار زهير سالم رجلاً معتدلاً، يقول للناس قولاً حسناً، ولا يَرضى، من ثم، بهذه الإساءة الشخصية لمفكرٍ انتقد الفكر الديني، ولكن بمنهج علمي. ولكن زهير سالم لم يلبث أن اتخذ صيغة الماء الذي يكذّب الغطاس، وخرج علينا بمقولةٍ بالغة السوء والسطحية، ملخصُها أن حكم العلمانيين يشبه حكم بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، بينما الحكم الإسلامي الرشيد (بالمناسبة، زهير سالم مولَع بصفة: الرشيد)، شبيه بحكم الصحابة الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضوان الله عليهم.
أخيراً؛ أرى، باختصار، أن ما يفعله "الإخوان" من قصفٍ صريح لمواقع العلمانية أمر مفيد، لعله يوصل إلى المعارضين العلمانيين رسالةً مفادُها بأن هذا التحالف مع "الإخوان" لم يكن صواباً قط، وليس من النباهة تسويغه، والاستمرار فيه.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...