02 نوفمبر 2024
الرّقة وعفرين.. المدنيون والمدينة
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
كانت الحرب في الرّقة موجهةً ضد تنظيم داعش الذي مارس الإرهاب على مستوى المنطقة والعالم، وكان الهدف إسقاط عاصمة الخلافة المزعومة، بعدما جرى القضاء على جسمها الرئيسي في الموصل. أما في عفرين، فإن المسألة تخص المشروع الكردي في سورية، والذي باتت ترى فيه تركيا تهديدا استراتيجيا خطيرا لأمنها ووحدتها، على المديين القريب والبعيد.
في الحالين، ليس للغالبية العظمى من السكان ناقة أو جمل، بل هم دروع بشرية. وما واجهته مدينة الرقة وأهلها يدعو إلى رفع الصوت عاليا، لمنع تكرار الكارثة في عفرين. مأساة الرقة ماثلة للعيان، فالمدينة أصبحت أطلالا، دمرت كاملة ومات آلاف، وتشرّد قرابة نصف مليون من أهلها. وبعد عدة أشهر على تخليص المدينة من "داعش"، ليس هناك من الأطراف الإقليمية والدولية من أبدى اكتراثا بالمدينة وأهلها وإعادة الإعمار والمشردين، حتى الألغام لم يتم تجميعها من شوارع الرقة إلى اليوم.
تم تدمير الرقة بواسطة الطيران الأميركي، واستخدمت الولايات المتحدة على الأرض "قوات سورية الديمقراطية"، المشكّلة من مقاتلي حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي، فرع حزب العمال الكردستاني، في سورية، وانتهت العملية من دون تقديم حصيلة فعلية عن "داعش". هناك معسكر في منطقة عين عيسى تحت إشراف قيادات "سورية الديمقراطية" يضم المئات، ولكن البقية الباقية من الدواعش تبخرّت أو تم تسليم بعضهم إلى بلدانهم، كما حصل مع القادمين من دول القوقاز الذين تم شحنهم من مطار القامشلي إلى روسيا، بالاتفاق بين جميع أطراف اللعبة.
لا تشبه عفرين الرقة على هذا الصعيد، فالمقاتلون في داخلها يواجهون هجوما تركيا تسانده فصائل سورية ترفع راية الجيش الحر، والمعروف منها، بصورة أساسية، فصيل فيلق الشام. وعلى الرغم من أن تركيا تعلن أن هدف العملية القضاء على تهديد حزب العمال الكردستاني، فإن مهاجمة مدينة مكتظة بالسكان لن يكون التفريق فيها بين المدني والمقاتل مسألة سهلة. ولذا يبدو أمر معالجة الوضع في عفرين بطريقة مختلفة عن الرقة في غاية الأهميةـ كي لا يتم خلط الأوراق، وتكون النتيجة دمار المدينة وقتل أهلها وتشريدهم.
تشكل الرقة 11% من مساحة الجغرافيا السورية، في حين تمثل عفرين قرابة 2%، لكن عدد المدنيين في عفرين اليوم يتجاوز ضعف أولئك الذين كانوا يوجدون في الرقة لحظة الهجوم عليها. ولذلك يبدو أمر اجتياح عفرين على قدر كبير من الخطورة إذا حصل.
لكثرة ما أصاب السوريين من نكبات، لم تعد مقاييسهم وطنية، وصار الواحد منهم لا يشم رائحة الحريق في منزل جاره. هناك من السوريين من بكى لدمار الرقة، لكنه غير مكترث بعفرين. وعلى المقلب الآخر، هناك من هو مستنفر ضد الهجوم على عفرين، وكان غائبا وقت الحرب على الرقة. الحجة جاهزة، هي إرهاب "داعش" و"العمال الكردستاني". وفي حقيقة الأمر، إن من لم يتحرك لمساعدة أهل الرقة يبقى ضعيف الحجة إن أراد أن يتحرك معه الآخرون من أجل عفرين.
ينقسم السوريون من جديد، لكن الانقسام في الحالة الكردية العربية يبدو، هذه المرة، أكثر حدة من السابق، ويتعمق أكثر، تبعا لاختلاف الحسابات والأجندات على الأرض السورية، وتنخرط فيه جماعات على وسائل التواصل، ليأخذ شكلا من أشكال الحروب التي خسرها السوريون سلفا. ولكن، كما جرت العادة، لا يحسّون بالكوارث إلا في وقت متأخر، حين تخرب ويتهدم مزيدٌ البيوت، وتتوسع المقابر ودروب الشتات. ومثلما صرف العالم نظره عن هول تفاصيل معركة الرقة ومجرياتها، ثم وجد نفسه أمام نتائج كارثية لا يمتلك حلولا لها، يجري الأمر ذاته في عفرين، حيث تدور حرب ضارية وسط نفاق دولي لا حدود له، من موسكو إلى واشنطن، مرورا بالعواصم الإقليمية والأوروبية.
في الحالين، ليس للغالبية العظمى من السكان ناقة أو جمل، بل هم دروع بشرية. وما واجهته مدينة الرقة وأهلها يدعو إلى رفع الصوت عاليا، لمنع تكرار الكارثة في عفرين. مأساة الرقة ماثلة للعيان، فالمدينة أصبحت أطلالا، دمرت كاملة ومات آلاف، وتشرّد قرابة نصف مليون من أهلها. وبعد عدة أشهر على تخليص المدينة من "داعش"، ليس هناك من الأطراف الإقليمية والدولية من أبدى اكتراثا بالمدينة وأهلها وإعادة الإعمار والمشردين، حتى الألغام لم يتم تجميعها من شوارع الرقة إلى اليوم.
تم تدمير الرقة بواسطة الطيران الأميركي، واستخدمت الولايات المتحدة على الأرض "قوات سورية الديمقراطية"، المشكّلة من مقاتلي حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي، فرع حزب العمال الكردستاني، في سورية، وانتهت العملية من دون تقديم حصيلة فعلية عن "داعش". هناك معسكر في منطقة عين عيسى تحت إشراف قيادات "سورية الديمقراطية" يضم المئات، ولكن البقية الباقية من الدواعش تبخرّت أو تم تسليم بعضهم إلى بلدانهم، كما حصل مع القادمين من دول القوقاز الذين تم شحنهم من مطار القامشلي إلى روسيا، بالاتفاق بين جميع أطراف اللعبة.
لا تشبه عفرين الرقة على هذا الصعيد، فالمقاتلون في داخلها يواجهون هجوما تركيا تسانده فصائل سورية ترفع راية الجيش الحر، والمعروف منها، بصورة أساسية، فصيل فيلق الشام. وعلى الرغم من أن تركيا تعلن أن هدف العملية القضاء على تهديد حزب العمال الكردستاني، فإن مهاجمة مدينة مكتظة بالسكان لن يكون التفريق فيها بين المدني والمقاتل مسألة سهلة. ولذا يبدو أمر معالجة الوضع في عفرين بطريقة مختلفة عن الرقة في غاية الأهميةـ كي لا يتم خلط الأوراق، وتكون النتيجة دمار المدينة وقتل أهلها وتشريدهم.
تشكل الرقة 11% من مساحة الجغرافيا السورية، في حين تمثل عفرين قرابة 2%، لكن عدد المدنيين في عفرين اليوم يتجاوز ضعف أولئك الذين كانوا يوجدون في الرقة لحظة الهجوم عليها. ولذلك يبدو أمر اجتياح عفرين على قدر كبير من الخطورة إذا حصل.
لكثرة ما أصاب السوريين من نكبات، لم تعد مقاييسهم وطنية، وصار الواحد منهم لا يشم رائحة الحريق في منزل جاره. هناك من السوريين من بكى لدمار الرقة، لكنه غير مكترث بعفرين. وعلى المقلب الآخر، هناك من هو مستنفر ضد الهجوم على عفرين، وكان غائبا وقت الحرب على الرقة. الحجة جاهزة، هي إرهاب "داعش" و"العمال الكردستاني". وفي حقيقة الأمر، إن من لم يتحرك لمساعدة أهل الرقة يبقى ضعيف الحجة إن أراد أن يتحرك معه الآخرون من أجل عفرين.
ينقسم السوريون من جديد، لكن الانقسام في الحالة الكردية العربية يبدو، هذه المرة، أكثر حدة من السابق، ويتعمق أكثر، تبعا لاختلاف الحسابات والأجندات على الأرض السورية، وتنخرط فيه جماعات على وسائل التواصل، ليأخذ شكلا من أشكال الحروب التي خسرها السوريون سلفا. ولكن، كما جرت العادة، لا يحسّون بالكوارث إلا في وقت متأخر، حين تخرب ويتهدم مزيدٌ البيوت، وتتوسع المقابر ودروب الشتات. ومثلما صرف العالم نظره عن هول تفاصيل معركة الرقة ومجرياتها، ثم وجد نفسه أمام نتائج كارثية لا يمتلك حلولا لها، يجري الأمر ذاته في عفرين، حيث تدور حرب ضارية وسط نفاق دولي لا حدود له، من موسكو إلى واشنطن، مرورا بالعواصم الإقليمية والأوروبية.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024