العالم قبل عودة ترامب وبعدها

09 نوفمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

لم يكن العالم في حالة جيّدة قبل فوز دونالد ترامب بسباق الرئاسة في الولايات المتحدة؛ حروب مشتعلة في الشرق الأوسط، وداخل أوروبا وأفريقيا، واستقطابات حادّة، ونزاعات هويَّة، وعنصرية، وإسلاموفوبيا، وهجرات كبيرة من الجنوب نحو الشمال، ودعوات إلى صراع حضارات، ومجاعات وأوبئة، وتراجع للموارد الاقتصادية، وانهيار للحرّيات وللبيئة وللمناخ ولأنظمة الصحّة. ولم يكن هناك أيّ مؤشّر إلى أن البشرية ستتوصّل (في المدى المنظور) إلى حلول لمشكلاتها، طالما أن القوى الكونية الكُبرى تتحمّل مسؤوليةً مباشرةً عن اشتعال الحروب، وتفجّر النزاعات، وتدهور الاقتصاد، وعدم احترام حقوق الشعوب في الحرّية والحياة الكريمة. ويمثّل ترامب مثالاً صريحاً على الفوضى التي تعصف بالعالم، بسبب أسلوبه في الإدارة البعيد عن القوانين والأنظمة، وقيادة بلاده بمنطق رجل الأعمال، الذي يعتمد أسلوب الصفقات.
يتحمّل ترامب من ولايته السابقة مسؤوليةً عن قسط مهمّ من الفوضى في العالم، بدءاً من أفغانستان وحتى فلسطين، ولا يبدو أنه سيغيّر أسلوبه ليحدّ منها أو ينهيها في ولايته الجديدة، التي ستبدأ في مطلع العام المقبل، بل سيفاقمها. وبالنسبة لما تشهده أوروبا من استشراء للعنصرية في حقّ الأجانب وانقسامات سياسية عميقة، فإن دوره في ذلك ليس تفصيلياً، فهو صاحب مسؤولية عن تفكيك الاتحاد الأوروبي، ويشهد على ذلك موقفه الداعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومن المعروف أن أحد مستشاريه المقرّبين، ستيف بانون، افتتح مكتباً خاصّاً له في بروكسل (حيث مقرّ المفوضية الأوروبية) من أجل العمل على ذلك، بالتنسيق مع أحزاب اليمين المتطرّف المعارضة للوحدة الأوروبية، والمعادية للأجانب.
أهدرت إدارة الرئيس جو بايدن فرصاً عديدة لوقف الحروب وللتوصّل إلى سلام في المناطق المشتعلة، واعتمدت سياساتٍ عرجاء، ودبلوماسيةً ضعيفةً وباهتةً، لا ترقى إلى أهمية دور الولايات المتحدة على المستوى العالمي، ومسؤوليتها في النزاعات الدائرة، فلم تضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من أجل وقف حرب الإبادة ضدّ الفلسطينيين في غزّة، أو تعد النظر في الخطوات غير القانونية التي اتخذها ترامب فيما يتعلّق بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعتماد التطبيع مساراً لحلّ القضية الفلسطينية، بدلاً من الاتفاقات والقرارات الدولية ذات الصلة، ولم تتحرّك لكسر الجمود في المنطقة، حيال ملفّات أخرى مثل الوضع في سورية، أو التمدّد الروسي في أفريقيا، الذي أنتج معادلاتٍ جديدةً.
مهّدت التطوّرات التي حصلت في فترة إدارة بايدن بقوة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض، في ظلّ أجواء مشبعة بالشعبوية، وثقافة الكراهية، وصعود التطرّف والتمييزَين العنصري والديني. لقد جعل فشل رئاسة بايدن في وقف الحروب والحدّ من النزاعات من فوز ترامب انتصاراً مضاعفاً في الداخل والخارج، ورفع من الفاتورة التي سيدفعها المتضرّرون من عودته. ومن هنا، العالم مقبل على مرحلة صعبة في كلّ مكان، وظهر ذلك من خلال حالة القلق العامّة وردّات الفعل السلبية التي قابلت فوزه، باستثناء إسرائيل، التي تعدّ عودته هديةً لا تقدّر بثمن، جاءت في الوقت المناسب.
على صعيد القضية الفلسطينية، تؤكّد جميع المؤشّرات أن الوضع خلال الولاية الثانية لترامب سوف يزداد سوءاً، وأنه سيطلق يد إسرائيل أكثر ممّا هي عليه، وقد سبق له أن صرّح أن على إسرائيل أن تنهي المهمّة، أي أن تواصل الحرب. وحتى لو ضغط من أجل وقف الحرب على غزّة، فإن الضفة الغربية معرّضة لمخاطرَ فعليةٍ على مستوى مصادرة الأراضي، وتكثيف الاستيطان والتهجير والضم، وإنهاء حلّ الدولتَين، ومن المرجّح أنه سوف يستكمل العمل باتفاق أبراهام، ليكون أساس مشروعه لحلّ القضية الفلسطينية، وفق "صفقة القرن" التي لم يسعفه الوقت لوضعها موضع التطبيق في ولايته الأولى.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر