02 نوفمبر 2024
القدس عاصمة الأرض
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
رفع حزب الله خلال احتفاله بيوم القدس، الذي صادف السابع عشر من يوليو/تموز الحالي، شعار "القدس عاصمة السماء". ولكون الحزب يرى القدس من خلفية دينية، فإن جزءا أساسيا من اللغز الذي يحيط بالشعار يصبح مكشوفاً، فهو لا يذهب مذهب الأغنية التي تقول "لبنان يا قطعة سما"، بل يقصد أنه يعلي من مكانة المدينة المقدسة، ليجعلها عاصمة للسماء. وهذا أمر لا يمكن الاختلاف معه، لو أن الحزب كان يريد التغزل بالقدس شعراً، ولكان المرء اعتبرها واحدة من شطحات الشعر وخيالاته، لكن القدس، وعلى الرغم من موقعها الديني، ومكانتها الروحية في الإسلام والمسيحية، فإنها، في نهاية المطاف، مدينة محتلة، وقضيتها على الأرض، وليست في السماء.
قبل سنوات صرح حاخام إسرائيلي أن لا حل بين إسرائيل والفلسطينيين على الأرض، والعناية الإلهية وحدها التي ستتدخل في نهاية المطاف، لتضع حداً للنزاع، وبرر وجهة نظره بأن الصراع في جوهره ديني. وقد يكون الحاخام محتالا، وربما هذه وجهة نظره فعلا، إلا أن المؤسسة الصهيونية روجت، ولا تزال تتبنى خطابا من هذا القبيل. ولكن، في صورة معدلة، لكي تقدم الفلسطينيين في صورة إسلاميين متعصبين يعادون الدين اليهودي، ويريدون قتل أتباعه. وثانياً، لكي تنفي عن الصراع طابع الاحتلال الذي سلب الشعب الفلسطيني أرضه وطرده من بلاده تحت مزاعم توراتية بالية، وبالتالي، تسقط من الحساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في استعادة أرضه، وتصبح القضية نزاعاً دينياً يستحيل حله على الأرض، فيطلب الحاخامون إحالته للسماء، وما على الفلسطيني سوى أن ينتظر الفرج من عند الله.
يلتقي الخطاب الصهيوني على الطرف الآخر مع الذين يرون في فلسطين قضية إسلامية فقط، ولا يهتمون بمأساة شعبها، ويطرحون ضرورة تحريرها، لأنها مدنسة من اليهود، وليس لأنها أرض جرى احتلالها وطرد شعبها منها. ولا يحتاج الأمر إلى براهين على تهافت هذا الخطاب، على الرغم من النيات الطيبة لبعض معتنقيه. وهنا، يمكن أن نميز بين من يتبنى هذا الخطاب عن إيمان وصدق ومن يتلطى خلفه على سبيل التهرب من مواجهة المشكلة الفعلية والوقوف بصدق إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني، والمؤكد أن هؤلاء يفضلون بقاء القدس محتلة، لأنها ورقة رابحة يسوقونها للجماهير العفوية التي تحتل المدينة المقدسة مكانة خاصة في وجدانها.
لا يبتعد شعار حزب الله عن الموقف الإيراني الرسمي، فالاحتفال بحد ذاته الذي جرى في بيروت هو مناسبة اخترعها آية الله الخميني، واقتصرت دعوته للمسلمين على التظاهر وإحراق العلمين، الإسرائيلي والأميركي، في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان. وهنا تحضر حادثة رواها كثيراً المعارض المغربي الراحل، الفقيه البصري، الذي كان في عداد وفد رافق الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في أول رحلة إلى طهران بعد سقوط الشاه بأيام. قال البصري إن الوفد ذهب وهو يشتعل بالحماس بعد تصريحات للخميني بأنه سيضع ثقل إيران من أجل تحرير القدس، لكن الوفد خاب أمله بعد يومين حين تم إبلاغه اعتذار الخميني عن استقباله، وبعد ذلك استعاض الخميني عن تحرير القدس بالزحف إلى بغداد. وقال البصري إن عدة وفود عربية زارت طهران في فترة الحرب مع العراق من أجل إقناع الإيرانيين بوقفها، وتوظيف الجهود من أجل فلسطين، لكنها لم تجد آذاناً صاغية، لأن الأولوية كانت لتصدير الثورة. وهذا ينسحب على فهم إيران للممانعة التي تستخدمها من أجل أجندتها الخاصة.
يريد حزب الله أن يجعل من القدس عاصمة السماء. ولكن، سنظل نردد مع محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين.
قبل سنوات صرح حاخام إسرائيلي أن لا حل بين إسرائيل والفلسطينيين على الأرض، والعناية الإلهية وحدها التي ستتدخل في نهاية المطاف، لتضع حداً للنزاع، وبرر وجهة نظره بأن الصراع في جوهره ديني. وقد يكون الحاخام محتالا، وربما هذه وجهة نظره فعلا، إلا أن المؤسسة الصهيونية روجت، ولا تزال تتبنى خطابا من هذا القبيل. ولكن، في صورة معدلة، لكي تقدم الفلسطينيين في صورة إسلاميين متعصبين يعادون الدين اليهودي، ويريدون قتل أتباعه. وثانياً، لكي تنفي عن الصراع طابع الاحتلال الذي سلب الشعب الفلسطيني أرضه وطرده من بلاده تحت مزاعم توراتية بالية، وبالتالي، تسقط من الحساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في استعادة أرضه، وتصبح القضية نزاعاً دينياً يستحيل حله على الأرض، فيطلب الحاخامون إحالته للسماء، وما على الفلسطيني سوى أن ينتظر الفرج من عند الله.
يلتقي الخطاب الصهيوني على الطرف الآخر مع الذين يرون في فلسطين قضية إسلامية فقط، ولا يهتمون بمأساة شعبها، ويطرحون ضرورة تحريرها، لأنها مدنسة من اليهود، وليس لأنها أرض جرى احتلالها وطرد شعبها منها. ولا يحتاج الأمر إلى براهين على تهافت هذا الخطاب، على الرغم من النيات الطيبة لبعض معتنقيه. وهنا، يمكن أن نميز بين من يتبنى هذا الخطاب عن إيمان وصدق ومن يتلطى خلفه على سبيل التهرب من مواجهة المشكلة الفعلية والوقوف بصدق إلى جانب قضية الشعب الفلسطيني، والمؤكد أن هؤلاء يفضلون بقاء القدس محتلة، لأنها ورقة رابحة يسوقونها للجماهير العفوية التي تحتل المدينة المقدسة مكانة خاصة في وجدانها.
لا يبتعد شعار حزب الله عن الموقف الإيراني الرسمي، فالاحتفال بحد ذاته الذي جرى في بيروت هو مناسبة اخترعها آية الله الخميني، واقتصرت دعوته للمسلمين على التظاهر وإحراق العلمين، الإسرائيلي والأميركي، في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان. وهنا تحضر حادثة رواها كثيراً المعارض المغربي الراحل، الفقيه البصري، الذي كان في عداد وفد رافق الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في أول رحلة إلى طهران بعد سقوط الشاه بأيام. قال البصري إن الوفد ذهب وهو يشتعل بالحماس بعد تصريحات للخميني بأنه سيضع ثقل إيران من أجل تحرير القدس، لكن الوفد خاب أمله بعد يومين حين تم إبلاغه اعتذار الخميني عن استقباله، وبعد ذلك استعاض الخميني عن تحرير القدس بالزحف إلى بغداد. وقال البصري إن عدة وفود عربية زارت طهران في فترة الحرب مع العراق من أجل إقناع الإيرانيين بوقفها، وتوظيف الجهود من أجل فلسطين، لكنها لم تجد آذاناً صاغية، لأن الأولوية كانت لتصدير الثورة. وهذا ينسحب على فهم إيران للممانعة التي تستخدمها من أجل أجندتها الخاصة.
يريد حزب الله أن يجعل من القدس عاصمة السماء. ولكن، سنظل نردد مع محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024