الكرة والرياضة في الأردن... نداء استغاثة
محزنٌ جدّاً ما آلت إليه الأمور في الجدل الجاري حالياً أردنيّاً بين أندية دوري المحترفين واتحاد كرة القدم، إذ التزمت الأندية جميعاً بعدم خوض مبارياتٍ قبل تحويل مبالغ متأخّرة لصالحها من الاتحاد. وهكذا توقف الدوري، ولم ينزل اللاعبون إلى الملعب، بينما لجأ اتحاد كرة القدم إلى التهديد بالعقوبات ضد هذا الإجراء الذي أجمعت عليه الأندية.
لن يأتي حلّ هذه المعضلة الكبيرة بالتهديد والعقوبات، فمن الواضح أنّ هنالك أزمة مستدامة ذات طابع مالي في الأساس، يعاني منها اتحاد كرة القدم والأندية جميعاً، في ظلّ أُذُنٍ من طين وأخرى من عجين من الحكومات المتتالية التي تتعامل مع الشأن الرياضي عموماً، وكأنّه خارج الأولويات والاهتمامات، شأن الثقافة التي تعاني هي الأخرى من تجريفٍ كبير منذ أعوام بسبب القحط المالي المستمرّ!
منذ أعوام واتحاد كرة القدم يعاني من غياب الرعاية لدوري المحترفين (كانت تقدّمها شركة المناصير، قبل أن تتراجع الأخيرة لأسباب مالية)، وهنالك أموال وديون مستديرة ما بين الاتحاد والأندية وأطراف أخرى في الدولة، شبيهة بما يطلق عليه تجّار الأردن "الشيك الدوّار" (يُصدِر أحدهم شيكاً ثم يجري تداوله بين الجميع، وربما يعود إليه الشيك المؤجّل بسبب نقص السيولة في البلاد)، ومن الواضح أنّ هنالك عجزاً حقيقياً عن تأمين الأموال المطلوبة لتغطية الاحتياجات الأساسية للاتحاد وكرة القدم.
حالة الأندية اليوم محزنة جداً، وغالبيتها مرتبطة بديون كبيرة، وعليها قروض والتزامات تعجز عن سدادها، وكثيرون من اللاعبين المحترفين يعانون الفاقة، بينما لا تستطيع أندية عديدة سداد فواتير الكهرباء والماء، فضلاً عن تأمين الرواتب والمستحقّات المالية. وينعكس هذا وذاك كثيراً على كرة القدم، ومستواها وحجم الاهتمام بها، وهي اللعبة الأكثر أهمية وشعبية، بينما تبدو المعاناة أشد وأكبر في مختلف الألعاب الأخرى. وليس سرّاً أنّ منتخب السلة الأردنية عندما وصل قبل خمسة أعوام إلى كأس العالم كانت لديه مشكلة كبيرة في تأمين الأموال اللازمة لتغطية التدريبات والمباريات!
مثل هذا الموضوع (الرياضة والكرة) في دولة تعاني من أزمات مالية واقتصادية، هل يعتبر ترفاً؟ من المفترض أنّه على النقيض من ذلك، فهنالك دول أخرى تعاني من أزمات أشدّ وأكبر مما يغالبها الأردن، وتخصّص أموالاً وموارد كبيرة لدعم الرياضة والثقافة والفن، لكن المشكلة تكمن بدرجة كبيرة في العقل الرسمي، وفي الحكومات التي لا تأخذ هذه المجالات على محمل الجدّية اللازمة.
لا يمكن أن تستمر كرة القدم الأردنية على هذا النحو من الترقيع واللصق والتأجيل لمناقشة المعضلات والقضايا والمشكلات الكبيرة. والحال كذلك في المجالات الرياضية الأخرى، لا بد من أن توضع الحكومات أمام مسؤولياتها، وأن تكون هنالك حملة حقيقية لتفهيم المسؤولين أهمية الرياضة والكرة، وضرورة وجود استراتيجية وطنية للرياضة والأندية، في ظل حجم كبير من الأندية التي تأخذ دعماً حكومياً من دون أن يكون لها نشاط حقيقي موازٍ لهذا الدعم، ما يستنزف موارد مالية ويشتّت الجهود المطلوبة.
الرياضة فلسفة حياة، ورافعة مهمة وأساسية للثقافة والهوية الوطنية، ولإيجاد مساحاتٍ آمنة للشباب لممارسة أنشطتهم ومواهبهم في الاتجاهات الصحيحة، بديلاً للخطابات التي تدفعهم إلى التطرّف أو التعصّب أو الانحراف أو المخدّرات، فالرياضة أحد أعمدة الأمن المجتمعي والثقافي والإنساني والصحة المجتمعية وصحة المجتمع في أي دولة، ولها أهمية كبيرة في حماية السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي!
ما قامت به الأندية فرصة لمراجعة وطنية شاملة وحقيقية لوضع النقاط على الحروف، ودراسة الوضع الراهن، ووضع تصورات وسيناريوهات واستراتيجية وطنية للرياضة وللأندية أيضاً، فنحن اليوم بحاجة إلى هذه الوقفة الواقعية المنطقية، وأن نفكر معاً: لماذا تراجعت الرياضة الأردنية؟ وما العمل في مجال المدارس والجامعات والبنية التحتية والأندية وصندوق دعم الرياضة المعطّل؟ وغيرها من ملفات مهمة وأساسية تهم شريحة كبيرة من المواطنين، والأهم من هذا وذاك حقيقة كيف ندمج مشروعات الرياضة والكرة في القطاع الخاص والاستثمار، ونجد لها سوقاً تتولى هي عملية تطويرها والنهوض بها.