الكرد الانفصاليون
أصبحت مظاهراتُ اللاجئين العرب والمسلمين، في المدن الأوروبية شبهَ يومية. ولأننا نعيش في عصر "السوشيال ميديا"؛ ما عُدنا مضطرّين لانتظار نشرات الأخبار، أو صدور الصحف لنسمع بهذه المظاهرات، أو نقرأ عنها، بل إننا نراها في لحظة انعقادها (live)، وعندما يخالف المتظاهرون قانون البلد المضيف، ويرتكبون أعمال عنف، ويتصدّى لهم البوليس، نشاهد ذلك كُلَّه، في حينه. هذا يعود إلى أن قوانين الدول الأوروبية تعطي الحقّ لأية مجموعةٍ بشريةٍ تعيش على أرضها بالتظاهر، شريطة أن تحصل على موافقة، وألا يخالف المتظاهرون القانون... والملاحظ أن معظم تلك المظاهرات تتمحور حول موضوعين رئيسيين: الاحتجاج على جرائم النظام السوري، ومناصرة الشعب الفلسطيني.. وقد كانت لافتة، ومختلفة، المظاهرةُ التي شاهدناها، في مقطع " تيك توك"، قبل أيام، وتتألّف من شبّان عرب وكرد، يهتفون: واحد واحد واحد، عربي وكردي واحد.
أغلب الظن أن هذا التآخي العربي الكردي المفاجئ يمثل ردّة فعل غاضبة على محاولات التقارب بين الحكومتين، التركية والسورية، فالعرب السوريون المقيمون في شمال سورية شعروا بالهلع من فكرة تسليمهم لنظام الأسد، ونقموا على حكومة الرئيس أردوغان لهذا السبب. والكرد، بدورهم، يدركون أن هدفَ تركيا الرئيسي من هذا التقارب محاربتُهم في شرق الفرات.
يمكن القول إن هذا التلاحم العربي الكردي، بحد ذاته، جيّد، ولكنه سؤالٌ يطرح نفسه بقوة: لماذا لم يكن الأمر هكذا منذ البداية؟ بمعنى آخر: لماذا يُعادي هؤلاء العربُ المسلمون نظامَ الأسد، ويثورون عليه، وفي الوقت نفسه، يشتركون معه في مناصبة إخوانهم الكرد العداء؟
من النافل التحدّث عن عداء نظام الأسد الكرد، فالجميع يعرفونه، والأفضل التركيز على الجانب الآخر. والإشارة هنا إلى أن مناطق الكرد ثارت على نظام الأسد، في وقت مبكّر من سنة 2011، ناهيك بانتفاضتهم في سنة 2004، ما يعني، منطقياً، أن يكونوا متلاحمين مع الثوار العرب. أما عن الانتماء الديني، فلا بد من التذكير بأن الكرد مسلمون، أيضاً. ومع ذلك أطلق لفيف من الثوار نغمة غريبة تتلخص بكلمتين "الكرد انفصاليون"، وانتشرت بينهم، على طريقة القصة المدهشة التي كتبها كبير الساخرين أحمد رجب، بعنوان "الوزير جاي"، وحكى فيها أن هاجس قدوم الوزير سيطر على موظفي المديرية، إلى درجة أنك تقول لأحدهم: السلام عليكم، فيردّ: وعليكم الوزير جاي! وبالنسج على منوالها، يمكن أن تسأل أي عربي مسلم عن سبب عدائه الكرد، فيقول لك، تلقائياً: الكرد انفصاليون. ولا تعني هذه التلقائية أن قائلها يعرف معناها، أبداً، وإنني، كاتب هذه الأسطر، لا أقف في موقف الدفاع عن الكرد، ولكنهم، للأمانة، لم يطالبوا، في أي واحدٍ من بياناتهم، أو تصريحاتهم، بالانفصال عن سورية، أو إقامة دولة كردية مستقلة، ليس لأنهم لا يريدون ذلك، بل ليقينهم باستحالة هذا في الوقت الحاضر. أضف إلى ذلك أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تتألف من عرب وكرد وآشوريين وأرمن وتركمان، والدولة الإسلامية في العراق والشام كانت تريد "الانفصال" عن سورية والعراق، وكانت "قسد" شريكة الأميركان وقوات التحالف في محاربتها، واستعادة كوباني والرقة، وقد تأسّس، في سنة 2015، مجلس سورية الديمقراطية (مسد) الذي يشتغل على توحيد القوى الديمقراطية في سورية.
بإمكان مَن يتجرّد من الخلفيات والأفكار المسبقة ملاحظةُ أن الحديث عن الكرد، أو الموقف منهم، عند العرب المسلمين، غير مفهوم، بل وفيه كثيرٌ من التناقض، فعندما يُحصون عدد المسلمين "السنة" في العراق، مثلاً، يضعونهم ضمن الإحصائية، وعندما قتل منهم نظامُ صدّام حسين، في حملة الأنفال سنة 1988، ما يزيد عن 180 ألف، قلما تجد مَن يدافع عنهم، بل ينبري عشّاق صدام لتسويغ عملية الأنفال، وضرب حلبجة بالكيميائي (في السنة ذاتها)، بأن الحقّ عليهم، لأنهم انفصاليون.