اللاجئون السوريون في المزاد
نفى وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، عبد الله بو حبيب، أن يكون هناك أي إعادة قسرية للاجئين السوريين من لبنان. إنه خبرٌ جميل، ولكن هذا النفي متوقّع؛ إذ من غير المعقول أن يصرّح، وهو ناطق رسمي، بأن حكومة بلاده ستُجبرهم على الرحيل، أو يشير إلى أن هناك جماعات سياسية معيّنة تضيّق عليهم، وتجعل عيشتهم لا تُطاق، حتى يضطرّوا للرحيل. يجب ألا ننسى، هنا، أن لبنان بلد شقيق، ويستفيد، في الوقت ذاته، مما تصرفه المنظمات الدولية من أموالٍ للدول التي تحتضن اللاجئين، ناهيك عن التزوير الفني الجميل الذي ابتدعه الإعلام السوري، قبل 30 عاماً، عندما زعم أن أغنية "سوا ربينا" التي غنتها فيروز لعربانة البندورة، بعدما صادرتها الشرطة في مسرحية "الشخص"، موجهة للشعبين السوري واللبناني!
أستطيع، الآن، أن أمشي ضد التيّار، فأقول إن الشعب الذي تهجّره حكومة بلاده، يجب أن يتحمّل إهانات دول الجوار التي تؤويه، فهو يشبه رجلاً أقفل داره، وخبّأ المفتاح في عبّه، وقرّر السكنى عند الجيران، فإذا تذمّر أحدٌ من الجيران، أو تبرّم، يذمّه، ويتهمه بالبخل، والعنصرية. ليس هذا وحسب، بل يردح الأشخاصُ الذين هجروه للجيران. يجعلنا هذا الافتراض نستعيد تصريحاً قديماً لبشّار الأسد، قال فيه إن الدول الأوروبية التي تدّعي أنها ديمقراطية، ومناصرة لحقوق الإنسان، تسيء معاملة اللاجئين السوريين، وكان حريّاً به، لو كان لديه فائض ذكاء، أن يصوغ عبارتَه بشكل أكثر وضوحاً وحِدَّة، فيقول للدول الأوروبية: عارٌ عليكم أن تعاملوا السوريين الذين هجرتُهم أنا بهذه الطريقة المشينة!
والحقيقة أن المسؤولين السوريين، ابتداء من بشّار الأسد وأنت نازل، يعملون بالطريقة التي تعمل بها قواديس الغَرَّاف في نواعير مدينة حماه، كل قادوس يُصبّ ماءه على مؤخّرة القادوس الذي تحته، فبشّار الأسد الذي أراد، ذات يومٍ، أن يهجو الحكام العرب، فادّعى لنفسه الرجولة والفحولة، وقال إنهم أنصاف رجال، اليوم لا تتسع له ثيابه من الفرحة وهو يجلس بينهم على مقعد جامعة الدول العربية، مؤملاً أن يخاطبه ربعُ رجل منهم بعبارة غير مبطّنة بالاحتقار، أو الإيحاء له بأنك قادم إلى هنا لتقايض ورقة الكبتاغون بالمال، وتبيع مصيبة لاجئي سورية بالمال، وحتى الأبرياء الذين تملأ بهم معتقلاتك تفاوضُنا عليهم. أما وزير خارجيته، فيصل المقداد، فيقول، من دون حياء أو خجل، وبالحرف الواحد، إن عملية إعادة الإعمار في سورية ستسهّل عودة اللاجئين، يعني أنه غير معني بعودة أبناء بلده من دون قيد أو شرط. والحقيقة أن النظام السوري نفسه حال دون عودتهم، خلال عقد، مستخدِماً سيف المخابرات، فالإنسان الهارب من سورية مستعدٌّ أن يركب المخاطر في البحار، والبراري، والغابات، ولا يرجع إلى مطار سوري، أو حدود برّية سورية، ليجد دورية مؤلّفة من بضعة بغال شموسة، تبدأ الترفيس به، والسباب على أهله قبل أن تطأ قدمُه تراب سورية الطاهر، وهو ليس بطاهر، بل تدوسه البساطير، من دون الالتفات إلى فَرش نزار قباني أهدابَه فوقه، فهذا كلام شعري على أية حال. وللتذكير، فإن نزار، وكثيرين من الشعراء والأدباء والفنانين الذين تغزّلوا بهذا التراب، وحلفوا ألا يبادلوه بالتبر، كانوا مطلوبين لمخابرات نظام هذا الوطن المعطاء، ودماؤهم مهدورة فيه.
نعود إلى فيصل المقداد، وقوله إنه يرحّب بما تفعله الدول العربية في سبيل الإعمار وعودة اللاجئين، وهو لا يقصد الأردن ولبنان وفلسطين ومصر والمغرب بالطبع، لأن هذه الدول "عايفة حالها من الطفر"، بل يقصد دول الخليج، وكأنه يقول لهم، بأسلوب معلمه الأسد في تقريع الآخرين: أليس عيباً عليكم، وعاراً، أن تتركوا المدن والبلدات والقرى التي هدمناها ببراميل جيشنا الباسل وقذائف طيرانه من دون إعمار؟ أأنتم من هواة الخراب يا عرب؟