عندما ينشط اللوبي الإسرائيلي عشية الانتخابات الفرنسية
زار وفد ضم نوابا في مجلسي النواب والشيوخ الفرنسيين تل أبيب بدعوة وبتنظيم من جمعية "شبكة القادة الأوروبيين"، وهي جمعية "غير ربحية" (...) تسعى، في ميثاقها المعلن، إلى التقريب بين الأوروبيين والإسرائيليين، على الرغم من غياب اسم إسرائيل من عنوانها، ربما لضرورات تسويقية (...)، ومواجهة "الدعاية المغرضة التي تذخر بها وسائل الإعلام المعادية للديمقراطية الوحيدة في المنطقة" كما يرد في أدبياتها. وتميّزت توليفة المجموعة البرلمانية الفرنسية بوجود أعضاء من كل الأحزاب العاملة على الساحة الفرنسية تقريبا، فالامتناع عن السفر في هذه الرحلة يمكن أن يقع الاجتهاد الموجّه في تفسيره لكي يصبح كأنه موقفٌ معادٍ للسامية. وبالتالي، مثل هذه "الجريمة" يمكن أن تدفع مرتكبها إلى تسديد ثمن عظيم، ربما يصل إلى حد الشطب من لوائح الانتخابات التشريعية المقبلة، وذلك في أحسن الأحوال.
إلى جانب اللقاء مع الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء الجديد ووزير خارجيته، عقد الوفد لقاء برئيس الوزراء السابق نتنياهو، أثار انتقاد بعض الإعلام الإسرائيلي، متسائلاً عن مغزى مثل هذا اللقاء مع خاسر الانتخابات المتهم بالفساد، ويُعتبر من الصقور المعادية لأي حل سياسي، حتى في إسرائيل. وقد تحدث السفير الفرنسي في تل أبيب أمام المجموعة البرلمانية بخطاب منحاز للغاية للسياسة الإسرائيلية، وهو الشيء الذي ثمّنته الإدارة الإسرائيلية من خلال التصريح رسمياً للصحافة المحلية بأن "خطابا كهذا يعكس تغييرا ملحوظاً في موقف فرنسا من سياسات إسرائيل". تطرّق السفير، وخروجاً عن المألوف في مثل هذه الخطابات البروتوكولية التي تنحصر عادة بالإشادة بالعلاقات "المميزة" بين البلدين، إلى المواقف الخارجية للدولة المضيفة ليمتدح خياراتها في إدارة ملفات الدول المحيطة. ففي حفل الاستقبال الذي أقامه بمناسبة العيد الوطني الفرنسي يوم 14 يوليو/ تموز الجاري، وصادف موعد زيارة الوفد، قال إنه "لا يجب أبدا أن يحصل نظام الملالي على القنبلة النووية". كما تطرّق إلى ما سمّاه الإرهاب الإسلامي الذي يهدّد فرنسا كما إسرائيل. خلط مقصود لطالما استفادت منه أحزاب اليمين المتطرّف في فرنسا في تأجيج الرّهاب من الإسلام، فالحديث عن إرهاب إسلامي في فلسطين يهدف إلى تجريد النضال ضد الاحتلال من بعده الوطني المؤكد.
قال نائب فرنسي إن غالبية الفرنسيين يخطئون حينما يعتقدون أن إسرائيل تلحق الأذى بالفلسطينيين، وتعاملهم معاملة سيئة!
وفي منافسة حزبية للتقرّب من الدولة الإسرائيلية، قال أحد النواب المشاركين إن غالبية الفرنسيين يخطئون حينما يعتقدون أن إسرائيل تلحق الأذى بالفلسطينيين، وتعاملهم معاملة سيئة، وهذا، حسب اعتقاده، يرجع إلى السياسة التربوية التي لا تعرض كما هو مطلوب لتاريخ اليهود ودولة إسرائيل. في حين، تُعتبر المناهج الدراسية الفرنسية من أكثر المناهج، بعد الألمانية حتما، التي تستعرض ما تعرّض له اليهود الفرنسيون والأوروبيون من مذابح إبّان الحرب العالمية الثانية، مع إغفال متعمد ومفضوح لكل مسار التغريبة الفلسطينية التي ساهمت أوروبا فيها بفاعلية، وتتحمّل، وما زالت، جزءاً كبيرا من مسؤولية عنها. مقابل هذا الطرح، أشارت نائبة تنتمي الى حزب منافس، إلى عدم اتفاقها، واعتبرت أن الرأي العام الفرنسي متفهم تماماً للسياسات الإسرائيلية في الداخل وفي عموم المنطقة. وذكرت أن أحزاب اليسار المتطرّف في فرنسا وحدها من يعادي السياسات الإسرائيلية، مضيفة إن الجمعيات الإسلامية في فرنسا تشكل خطورة في هذا الاتجاه لمعاداة غالبيتها السامية.
وقد اعتبر نائب ثالث من حزب آخر، باحثاً عن تبرير ما، أن النقد الظاهر (الشكلي) لبعض السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين ينبع من رغبة تاريخية للدبلوماسية الفرنسية في التميز عن نظيرتها الأميركية. وبالتالي، سعيها إلى محاولة لعب دور الوساطة في نزاعات البحر الأبيض المتوسط. وقد وصل النفاق بأحد النواب لكي يُندّد بتصويت بلاده في منظمة الصحة العالمية على قرار يُشير إلى أن إسرائيل منتهكة للحقوق الصحية للفلسطينيين وللدروز في الجولان السوري المحتل. وقد أشارت نائبة إلى تقاسم البلدين القيم نفسها: الديمقراطية، الحرية، حرية الصحافة والتعبير، كما المساواة بين الجنسين.
ليس مستغرباً أن يعقد البرلمان الفرنسي، أو مجلس الشيوخ، جلسة له يوماً في تل أبيب
وإمعاناً في التملّق السياسي، والسعي وراء نفوذ اللوبي الصهيوني في فرنسا تحضيراً للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، لم يفت جميع ممثلي الأحزاب المشاركين الإشارة إلى أن وصول حزبهم، من اليمين أو من اليسار، إلى قيادة الدولة في تلك الانتخابات سيحمل إمكاناتٍ كثيرة لتحسين العلاقات، وسيُعزّز تأصيل التضامن السياسي الفرنسي مع إسرائيل.
يعرف مجلس النواب الفرنسي ظاهرة نادرة في مجالس النواب الديمقراطية، حيث يشغل أحد مقاعده، وهو مخصص للفرنسيين في الخارج، مائير حبيب، الليكودي الهوى، والذي لا يتعرض في مداخلاته لأي شأن داخلي يهم المواطنين الفرنسيين، إلا إذا كان مرتبطاً بمصالح إسرائيل. ويركّز في كل عمله على الإشادة بسياسات اليمين الإسرائيلي، وكأنه نائب إسرائيلي وليس فرنسيا.
أمام هذا التسابق المحموم، عبّر ممثلو الجمعية المنظمة للرحلة عن سرورهم بتعاظم الدعم الأوروبي لإسرائيل عموماً، والفرنسي خصوصاً، والذي يترجمه وجود هذا العدد الكبير من ممثلي الشعب الفرنسي في تل أبيب، معتبرين أن فرنسا وبقية الدول الأوروبية صارت تتحلى بفهم معمّق لإسرائيل وللتحديات السياسية والأمنية التي تواجهها .. ليس مستغرباً، والحال كهذه، أن يعقد البرلمان الفرنسي، أو مجلس الشيوخ، جلسة له يوماً في تل أبيب.