المجاعة قادمة... المجاعة هنا
اتهم خبراء في مجال حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة الأطراف المتحاربة في السودان باستخدام الجوع سلاح حرب، وسط تحذيرات متزايدة من كارثة قادمة. منذ إبريل/ نيسان 2023 يعيش السودان فوضى عارمة تقود الدولة المضطربة نحو الانهيار والتفكّك. قُتل في 14 شهراً من الحرب نحو 15 ألف شخص وأصيب 33 ألفاً آخرين، وفقاً للأمم المتحدة، لكن نشطاء حقوقيين يقولون إن عدد القتلى قد يكون أكثر.
بحسب المؤسّسات الدولية فإن "الجيش السوداني وقوات الدعم السريع يستخدمان الغذاء كسلاح وتسببا في تجويع المدنيين". لا يردّ طرفا الحرب على هذه الاتهامات، رغم وجود تسجيل مصوّر لقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان يؤكد فيه عدم دخول أي مواد غذائية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع إلا بعد وقف القتال. ورغم امتناع قوات الدعم السريع عن تصريحات مشابهة إلا أن سلوكها على الأرض لا يختلف كثيراً، فتُنهب قوافل الدعم الغذائي وتُمنع من المرور، ويفرض عليها مقاتلون ينتمون لـ"الدعم السريع" رسوماً لحمايتها!
رصدت تقارير واسعة النطاق العنف الجنسي وغيره من الفظائع التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، مثل جرائم النهب الممنهج والقتل التي تسبّبت مع جرائم اخرى ومع انعدام الأمن والخدمات في أكبر أزمة نزوح في العالم، حيث أجبر أكثر من 11 مليون شخص على الفرار من منازلهم وأماكن إنتاجهم، ما هدّد الموسم الزراعي في البلاد وترك أكثر من 25 مليون مواطن يعانون من المجاعة، ويحتاجون مساعدات إنسانية عاجلة.
لمقاومة الجوع الزاحف نشأت مطابخ جماعية لمساعدة مئات الآلاف من الأشخاص في العاصمة المحطّمة وغيرها من المدن، حيث توفر وجباتٍ منتظمة بقدر الإمكان وسط مجاعة متفاقمة.
تعاني المطابخ، التي تديرها مجموعات مساعدة من متطوعي الأحياء، من نقص التمويل، والتهديدات الأمنية، وانقطاع الاتصالات والكهرباء. نتيجة لهذه التحدّيات، مطابخ عديدة لا تقدّم سوى وجبة في اليوم، في حين خفّضت مطابخ أخرى عدد الوجبات المقدّمة إلى وجبة واحدة في الأسبوع، وأغلقت مطابخ أخرى أبوابها مؤقتاً حتى في ظل الحاجة الماسّة لها. تهاجم المجموعات المسلحة المطابخ وتعتقل المتطوّعين، وتتعرّض التبرّعات للسرقة وتُنهب قوافل الطعام. ويواجه المتطوعون اتهامات بالتخابر لصالح أطراف النزاع، ويتعرّض بعضهم للاعتقال والتعذيب.
تعرّضت المطابخ في بعض مناطق سيطرة قوات الدعم السريع للنهب، وأطلق الرصاص على أحد المتطوعين، بحجّة أنه يعمل مع الاستخبارات العسكرية. ويحدُث مثل ذلك في مناطق سيطرة الجيش. في هذا الجو المليء بالخوف، يعمل المتطوّعون لتوفير وجبة واحدة على الأقل للمحتاجين.
"الخدمة التي نحصل عليها من المطبخ منقذة للحياة، لكن كمية الطعام لا تكفي الجميع"، بحسب مواطنة من أم درمان استطلعتها "رويترز". قالت إن مطبخ حيها قادر حالياً على تقديم وجبة واحدة فقط في الأسبوع، عادة ما تكون من الفول أو العدس. في بعض الأحياء، مات كبار السن من الجوع داخل المنازل المغلقة بعد هجرة الجيران. وزادت نسبة وفيات الأطفال بسبب انعدام الغذاء. بحسب الأمم المتحدة "حجم الجوع والنزوح الذي نشهده في السودان اليوم غير مسبوق ولم نشهده من قبل".
حذّر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي من خطر المجاعة الذي يهدّد 14 منطقة في السودان، منها العاصمة ودارفور وكردفان. وبحسب تقرير المرصد الدولي يعاني 75% من أطفال السودان من الجوع. لكن هذا الأمر لا يشغل بال حملة السلاح في الدولة التي تحاول منذ استقلالها في 1956 أن تفر من دون جدوى من قبضة الحكم العسكري لتأسيس حكم مدني ديموقراطي فعلي.
حين يتعرّض عشرات الالاف لخطر الموت بسبب نقص الغذاء ينشغل حملة السلاح بنقاش حدود سلطتهم ونفوذهم التي تسمح بتوزيع المساعدات الغذائية تحت إشرافهم فقط.
لم تعد المجاعة في السودان خطراً مستقبلياً، إنما أصبحت واقعاً اليوم. مع استمرار تجاهل المتحاربين، ومحاولة توظيف الجوع لصالح العملية العسكرية. وتواجه جهات المساعدة الدولية صعوبة في توفير كل البيانات اللازمة بشكل دقيق، مع صعوبة تأمين عمل المتطوعين على الأرض.
هكذا يواجه السودانيون الموت بين الرصاص والجوع!