امرأة علمانية تؤيد جبهة النصرة

09 ديسمبر 2018
+ الخط -
إذا دخل أحدُ الناشطين الثوريين إلى صفحتك الفيسبوكية، في الصباح، وكتب لك: صباح الخير يا حلو؛ فاعْلَمْ أن هذا بابٌ للمناقرة.. تَعَوَّذْ بالله من الشيطان، وتَعَلَّقْ بالأمل أن يمر نهارك على خير، فهذا الناشط الثوري المحترم ينسى، عادةً، أن في سورية أكثر من مليون ناشط ثوري مثله، ويتعامل معك على أنه الثوري الوحيد في العالم! ولأنه الثوري الوحيد يُصبح من حقه أن يذلّك، ويهينك، وينسف تاريخك كله، ويضعك في خانة المتهم، فما أنت، برأيه، لست سوى إنسان مثقف، متذبذب، متلون، تضع رِجْلَاً هنا ورجلاً هناك.
ولأنك مثقف، بالفعل، و"جنتل"، فمن الطبيعي أن تضع له "لايك"، مثلما تفعل مع كل زوار صفحتك، ووقتها سوف يُثَنّي عليك بتعليق يسمّ بدنك، ويجعل نهارك مسخّماً مثل القطعة الثالثة من الأثفية التي كان العرب يسمونها: ثالثة الأثافي.
ذات مرة عَلِقْتُ، أنا محسوبكم، عَلْقَة مسخّمة مع امرأة ثائرة! مع أني يستحيل أن أعْلَق مع امرأة، بشكل عام، فكيف إذا كانت هذه المرأة ثائرةً تقف في صفي، وفي خندقي؟
في الواقع، أخصص القسم الأكبر من كتاباتي لتعرية نظام الاستبداد الحاكم في سورية، إلا أنني، بين حين وآخر، أنتقد الإخوة المسلمين الذين حلوا محل النظام المجرم في مناطقنا، وعافوا تأمين الغذاء للناس، والدواء، والتعليم، والأمان، والإعمار، وتعبيد الطرقات، ولحقوا المرأة على الدعسة.. المشايخ، على منابر الجوامع يهاجمون المرأة. الناشطون الإسلاميون الذين يطالبوننا بالعودة إلى الخلف يتعوذون من فتنة المرأة. جماعة الحسبة، وهيئة الأمر بالمعروف، والشرطة النسائية؛ لا هَمَّ لهم غير إذلال المرأة، وتحقيرها، وتجريدها من حقها في الحياة والتنفس، وكل واحد من هؤلاء الناس التعبانين يحمل في يده "مازورة"، ويهرع لقياس المسافة المتبقية بين نهاية معطف المرأة (المانطو) والأرض.
المرأة التي علقتُ معها كانت، على حد زعمها، ثوريةً، وأصبحتْ في وقت متأخر معارِضة سياسية، إذ انتسبت إلى هيئةٍ سياسيةٍ غادرها القسمُ الأكبر من أعضائها بسبب فقدانها فاعليتها ومصداقيتها. ومع أن شكل تلك السيدة، وطريقة لباسها، يوحيان بأنها عَلْمانية (متحرّرة) إلا أنها في الواقع امرأة نصراوية، بدليل أنها غضبت من منشور لي أشرتُ فيه إلى أن إجرام جبهة النصرة في قمع المظاهرات زادَ عن إجرام نظام الأسد، ورويتُ معلومةً يعرفها عشراتُ الألوف من ثوار مدينة إدلب، ويشهدون عليها، هي أن القوى الأمنية التابعة لنظام الأسد (في إدلب خصوصاً) لم تعامل المتظاهرين بالحد الأقصى من العنف، مثلما كانت تفعل في باقي المدن، ونحن في إدلب شاركنا في مظاهرات واعتصامات كثيرة، وكانوا يلاحقوننا ويحاولون تفريقنا، لكن ذلك لم يُؤَدِّ إلى قتل أحد.. ثم، ومع استشهاد الشاب محمد خير الدين سيد عيسى، ارتفع عدد المتظاهرين، من بضع مئات إلى بضعة ألوف، وفي فترةٍ جرى تقسيم المدينة إلى أربعة أرباع، ثلاثة منها للثوار وربع للنظام، وكنا نجول في شوارعنا وساحاتنا بكل أمان، ولم يطلق علينا النظام الرصاص الحي إلا يوم غامرنا بالاقتراب من المربع الأمني، حيث ارتكبت قوات النظام مجزرةً راح ضحيتها أربعةُ متظاهرين.
دفع هذا الكلام تلك المعارضة الثائرة المؤيدة لجبهة النصرة لأن تثور علي، ومع أنها لم تقترب من صفحتي في السابق، رأيتها تدخل وتقرر فوراً أنني فقدت بوصلتي! استغربتُ ذلك، وقلت لها إنني لم أؤْمن في يوم من الأيام أن نظام الأسد آدمي وحبّاب، ورؤوف بمعارضيه، ولكنه، على ما أعتقد، لم يكن يضع في مدينة إدلب يومذاك كُلَّ ثقله الأمني، فثارت أكثر وكتبت لي: أنت، يا خطيب بدلة، تلمع النظام!
رويتُ هذه الحادثة، لأؤكد لكم أن النصراوي سيئ حتى لو جاءك على هيئة امرأة تخرج بدون غطاء رأس، وبِكُمّ قصير.
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...