انتصار الأسد على أردوغان وأوجلان
برأيي المتواضع، يجب أن يبدأ الحديث عن الانقلاب العسكري التركي من دمشق، حيث، بمجرد ما أُعْلِنَ عن حدوث الانقلاب، استل الألوفُ من رجال المخابرات، واللجان الشعبية، والإخوة الشبيحة، والإخوة المنحبكجية، مسدساتِهم ورشاشاتِهم الحربيةَ، وباشروا بإطلاق النار في الهواء، ابتهاجاً بهذا الانتصار التاريخي الذي حققه النظام السوري الممانع، من دون أن يبذل أيَّ جهد، أو يُنفق قرشاً واحداً... وقد جاء في الأخبار أن عدداً من المواطنين السوريين الذين يعيشون في مناطق النظام قد أصابتهم شظايا الطلقات العشوائية الناجمة عن هذا الفرح الشديد، ولا ندري إن كان بعضُهم قد ماتوا متأثرين بجروحهم.
شهد المواطنون السوريون الذين يعيشون، حتى الآن، في مناطق النظام، هذه الاحتفاليةَ الرائعة، بأمّهات أعينهم، وعاشوا لحظات الفرح العظيمة من دون أن يلتبس عليهم الأمر، أي أنهم لم يظنوا أن إطلاق النار ناجمٌ عن اشتباكاتٍ بين الجيش العربي السوري الباسل وحزب الله المقاوِم من جهة، والجماعات الإرهابية التكفيرية المُمَوَّلة من الغرب الإمبريالي والدول الرجعية والأردوغانية من جهة أخرى! والسبب في ذلك أن السوريين اعتادوا سماع أزيز الرصاص في المناسبات السياسية السعيدة... ففي السادس من أكتوبر/ تشرين الأول سنة 1981، وبينما كان المواطنون السوريون يزاولون أعمالهم اليومية، بدأت رشقاتٌ متفاوتة الطول من مسدساتٍ ورشاشاتٍ تخرج من كل مكان على امتداد المدن السورية الكبيرة والصغيرة، وكانت المناسبة السعيدة، يومذاك، أن الضابط المصري خالد الإسلامبولي وصحبَه أطلقوا النار على الرئيس المصري، محمد أنور السادات، فأردوه قتيلاً... وكان سبب الفرح المفاجئ، يومئذ، أن السادات أقدم على ترك البطل التاريخي حافظ الأسد وحيداً في ساح الوغى، ليقاوم إسرائيل، ويمانعها، ويحتفظ بحق الرد على غاراتها الجوية في الزمان والمكان المناسبين، من دون مساعدةٍ من أحد.
بعد أقل من سنة، وبالتحديد في سبتمبر/ أيلول 1982، تلقت تشكيلة المخابرات والشبيحة السورية خبراً سعيداً آخر، مفادُه أن الرئيس اللبناني، بشير الجميل، قد اغتيل، ففتحوا جبهةً هوائية أُطلق فيها من الرصاص ما يكفي لتحرير فلسطين، ولم تكن كمية الرصاص التي أطلقت يوم الخامس من مارس/ آذار 1984 أقلَّ، ففي ذلك التاريخ العظيم، ألغي الاتفاق الذي كان بشير الجميل قد أبرمه مع إسرائيل، وأَطْلَقَ عليه الإعلامُ السوري اسم "اتفاق الإذعان".
وأطلقتْ هذه التشكيلةُ النار، عندما وافق الرفيق رفعت الأسد على أخذ حصته من الدولة السورية، ومغادرة سورية إلى بلاد الاستعمار. وأطلقوا النار يوم شفي القائدُ حافظ الأسد من مرضٍ ألمّ به، ونحن، والله، لم نكن نعلم أنه مريضٌ أصلاً... وفي أواخر التسعينيات، هدّد رئيس الوزراء التركي، بولنت أجاويد، الأسدَ باجتياح شمال سورية، إن لم يُسارع إلى تسليمها الزعيم الكردي، عبد الله أوجلان. وبحكمته المعهودة أرسل الأسدُ السيدَ أوجلان إلى روسيا، ومن هناك سافر الرجل إلى إيطاليا ثم إلى كينيا حيث اعتقل وسلم للسلطات التركية، فأطلق الشباب النار في الهواء احتفاء بوقف التهديدات التركية.
لا يستطيع أحدٌ أن يشكّك بـ عَلمانية الدولة السورية التي أسسها القائدُ الكبير حافظ الأسد وطوّرها القائد الشاب الدكتور بشار الأسد الذي قال، في أحد خطاباته، إن الهدف الرئيسي للمؤامرة الكونية التي تستهدف حكمه هو القضاء على نهج العلمانية... لكن الغريب أن هؤلاء العلمانيين فرحوا باغتيال السادات، وهم لا يعرفون أن خالد الإسلامبولي سيقول في التحقيق إنه قتله لأنه (لا يطبق شرع الله). وفرحوا بالانقلاب العسكري التركي، وهم لا يعرفون شيئاً عن طبيعة الانقلابيين. ويا ترى، لو نجح انقلابهم، هل سيقفون مع الأسد في حربه ضد شعبه، أم سيفعلون الشيء الذي لم يفعله بولنت أجاويد سنة 1999، بعد أن قدّم الأسدُ (الإذعانَ) المطلوب منه، ثم أطلق شبيحته بإطلاق النار في الهواء ابتهاجاً بذلك الإذعان؟