بنت الخطيئة
ما زلتُ عند رأي الشاعر نزار قباني عن الاغتصاب، إنه لا يمكنك أن تقرأ الكتاب وهو مغلق. ولذلك أمام كلِّ قضية اغتصاب أنثى هناك صوتٌ واهٍ للذكَر؛ أن الجريمة قد وقعت بالتراضي؛ لتتحوَّل من اغتصاب إلى زنا. ولكننا، نحن البشر، اعتدنا التعاطُف الوقتي، أو الجانبي، مع الضحية، أو مع صاحب الدموع الأكثر غزارة، فنحن دائمًا نقف في صفِّ الأنثى، حتى تُثبِت جريمة اغتصابها، ثم ننسى موقفنا منها، وتظلُّ النظرة الدائمة إليها بأنها قد فقدت شرفها، وعُذريَّتها، وأنَّ الطفل المتولِّد من هذه الجريمة هو ابن زنا.
أبدًا، لا نغيِّر تلك النظرة، ونظلُّ نحاكم الفتاة. وبالطبع، كان الشاب يمرُّ في مرحلة طيش شباب. وحتى الأحكام الجنائية، إنْ صدرت تكون مخفَّفة، وربما قرار الأهل من الطرفين، أن يتزوَّج المغتصب بضحيَّته، يشبه كثيرًا أن يلعق طفلُك طبق اللبن، بعد أن لوَّثه بالتراب؛ لمجرَّد منعه من اللعب بالتراب.
في قضية شهيرة، والمعروفة بقضية فتاة المنصورة التي تعرَّضت للاغتصاب، في العام 2018، وتولَّد لها طفلة، تبلغ اليوم عامين، هناك عدَّة ثغرات غير مقنعة في رواية الفتاة، وإصرار الشاب على أنَّ ما حدث لم يكن اغتصابًا. وقبل عامين كان كلٌّ منهما لا يزال قاصرًا، ولكن ثمرة هذه الجريمة كانت طفلة قرَّرت المحكمة، قبل أيام، عدم نسبها للأب، على الرغم من ثبوت أبوَّته بفحص الحمض النووي، وعلى الأم أن تختار اسمًا وهميًّا لها؛ لكي تسجِّلها في الأوراق الرسمية، بمعنى أنَّ معاملة الطفلة البريئة التي جاءت إلى الدنيا بلا جريرة، سوى جُرْم والديها، حيث لم تتولَّد لهما على فراش الزوجية، فسوف تكون معاملتها مثل اللقطاء، وهذا هو حكم الشريعة الإسلامية الحازم، والقاطع بالنسبة لها.
كما قلت، قضية فتاة المنصورة شائكة؛ لأنَّ أشهر قضية اغتصاب هزَّت مصر في ثمانينيات القرن الماضي لفتاة تناوَب على اغتصابها عدَّةُ شبَّان، ولكن الطب الشرعي أكَّد أنها لا تزال عذراء، وذلك لأن هؤلاء الشباب كانوا في حالة من التوتر والخوف، وكذلك ما يتعاطاه الجُناة في بعض الحوادث؛ من مسكرات، أو مخدِّرات، أو كليهما، كفيلةٌ بأن تهيّئ للمغتصب أنه قام بمواقعة كاملة لأنثى، على الرغم من أن ما يظهر على الضحية هو الجروح والخدوش والنزف الخارجي؛ نتيجة مقاومتها الشديدة .. أيّ حالة اغتصاب كاملة من الممكن أن تتمَّ، عندما تكون الضحية في حالة تخدير تام، ويجب ألا نصدِّق روايات الأفلام العربية الهزيلة التي تكرِّر طريقة اغتصاب مضحكة، عن سائل غريب اللون، يقدِّمه الجاني للمجني عليها، حتى تفقد الوعي، فلا وجود لمخدِّر سريع، وطويل المفعول، وفي الوقت نفسه، بلا طعم، أو رائحة، وقادر على أن يُفقِد الإنسان وعيه في ثوانٍ معدودة، ما لم يكن ذلك في فيلم عربي قديم، لمخرج واسع الخيال.
قضية فتاة المنصورة هي قضية كلِّ الشباب المحروم من الحصول على أدنى حقوقه، وهي قضية التسيُّب الأُسَري، وعدم وجود منظومة أخلاقية حكيمة وقوية، تحكم البيوت التي أصبحت البنت تحدِّث الأمَّ عن علاقتها بشاب، من دون غضاضة، والتي أباحت للبنت استقدام زميلها المراهق إلى باحة بيتها؛ بحجَّة مذاكرة دروس الثانوية العامة.
ويمكن أن نقضي تمامًا على قضايا الاغتصاب، والأطفال الذين يدفعون ثمن مثل هذه القضايا، في حالة واحدة فقط، لو استطعنا أن نفصل الأعراف عن الدين، بمعنى أن نخفِّف عن الشباب من تكلفة الزواج. وفي الوقت نفسه، يجب أن يعود الحوار الهادئ والواعي، داخل الأسرة، في ظلِّ الأفكار الغريبة التي باتت منتشرة، هذه الأيام، بين الجنسين، عن الزواج العُرْفي، وزواج الدم، وزواج "البارت تايم"، وغيرها من تسمياتٍ فضفاضة؛ من أجل أن ينام الضمير عن واقعة الزنا.
ولذلك، يجب أن تكون قصة فتاة المنصورة عبرة للكبار، قبل الصغار. وفي حال نجحنا، نحن الكبار، في أن نصل إلى هدفنا، وهو منع ممارسة الجنس، قبل الزواج، نمنع كلَّ صور الانحراف.