تسليم رهائن مقابل مشهد انتخابات
"الأصل في الانتخابات المشاركة"... قاعدة أساسية، كنت أتمنّى ألا يكون لها استثناءات، فالمشاركة محاولة، وتكرارُها خبرات، ونقاطٌ لدى ناخب، لم يقتنع اليوم، لكنه سيقتنع غدا. هدف "السياسي"، أي سياسي، هو الوصول إلى السلطة. لا جريمة هنا، بل واجب، هذا بديهي، وإن بدا في خطابات أنظمة العساكر تهمةً، فالوطنية هي تأييد الرئيس الحالي، من دون غيره من المنافسين، الخونة بالضرورة، لكن إنكار البديهيّ ليس الهدف من وراء إقراره الآن، إنما هي مقدّمة ضرورية قبل محاولة تجاوز الأصل إلى تفكيك مشهد انتزاع "انتخابات رئاسية" تحت التهديد.
يخبرنا تاريخ أنظمة يوليو 1952 وامتداداتها أنه لا انتخابات بين حاكم عسكري ومنافسين، إنما هي استفتاءات شعبية على حكم الرئيس، نعم أو لا، ونعم تعني مجيء الرئيس واستمراره، أما لا فلا تعني أي شيء، لا خطوة مقرّرة بعد رفض الأغلبية، إذ إنه رفض "نظري"، وغير متوقّع أو بالأحرى ممنوع، هكذا حكم جمال عبد الناصر، (بعد الانقلاب على محمد نجيب)، وأنور السادات حتى اغتياله، وحسني مبارك في أربعة استفتاءات، من عام 1981 وحتى آخر استفتاء على رئاسته عام 1999، ثم أجبرته الولايات المتحدة عام 2005، لا على التنحّي بعد ربع قرن من حكم مصر، بل على إخراجٍ مختلفٍ لمشهد "البيعة"، ونظمّت داخلية مبارك، تحت إشراف قضاة مبارك، شيئا ما سمّوه وقتها "انتخابات رئاسية". وكان، الشهادة لله، لطيفاً، ودمه خفيفاً، عشرة مرشّحين، أحدهم بـ "طربوش"، وصرّح أنه سينتخب مبارك، والآخر تحدّث عن دور حزب الوفد في ثورة 1919 مبرّرا لترشّحه وانتخابه. أما أيمن نور، فأخذته الجلالة مثل يوسف وهبي في فيلم "إشاعة حب"، وتصرف كمنافس بجد، فسجنه مبارك بعد الانتخابات. والشاهد أن هذا هو شكل الانتخابات حين ينظمّها، مجبراً، نظام نصف عسكري مثل نظام مبارك، فما بالنا بعبد الفتاح السيسي؟
تحدّث السيسي مرّة عن تزوير الانتخابات، وغير مرّة عن الديمقراطية، أما الأولى فكانت في الإسماعيلية على هامش المؤتمر الدوري الثالث للشباب، وقدّم السيسي ضمانات تؤكد أنه "لن" يُقدم على تزوير الانتخابات، أولها أنه أقسم بالله العظيم ثلاثاً أنه لن يفعل، وثانيها قوله إن تزييف الانتخابات بالنسبة له "ما يصحّش"، ثم تلا الرئيس قول الله تعالى: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء"، وعقّب: "الملك ده عطاء إلهي... فكيف أقبل عطاءه بالمُلك ولا أقبل عطاءه بالمنع؟ اطمئنوا تماماً... اطمئنوا إن شاء الله". والخلاصة: نزاهة الانتخابات في مصر شيء بين السيسي وربّه.
أما الثانية، كلامه عن الديمقراطية، فكانت مرّات عديدة، وفي سياقات مختلفة، لكن أكثرها وضوحا كان حديثه إلى مجلة جون أفريك في فبراير/ شباط 2016، وقوله "المصريون لن يكونوا مؤهلين للديمقراطية قبل عام 2030"، وهي قناعة متوارثة، كرّرها عبد الناصر، وأنور السادات، ومبارك، وحتى اللواء عمر سليمان على شبكة إيه بي سي الأميركية قبل أيام من رحيل مبارك... الديمقراطية حلوة، لكنْ المصريون غير مؤهلين، وحكّامنا طبعاً يحاولون تأهيلنا منذ سبعين سنة من دون جدوى.
يعرف الجميع أنه لا انتخابات في مصر، حتى أحمد طنطاوي ورفاقه يعرفون ذلك جيداً، كما يعرف الجميع، من دون شك، أنه لا حوار وطنياً "حقيقياً" في مصر، وما يحدُث هو ضغوط دولية على النظام تمنحنا، من دون غيرها للأسف، فرصة للتفاوض بشأن إخراج المعتقلين السياسيين، أو الرهائن من المواطنين في معتقلات النظام... وقد رأى معارضون أن إكراهات الواقع تفرض الاستجابة لأية فرصة لتحرير معتقل، إذ لا طائل من وراء أي شيء، في وجود رئيسٍ مسلحٍ تدعمه مؤسّسات الدولة كافة، قد يملك بعضُنا رفاهية الاختلاف مع هذه الرؤية، لكننا لا نملك إنكارها على أصحابها، فإنقاذ بعض الأفراد هو "المتاح"، من دون غيرهم، ومن دون مجتمعٍ ذاهبٍ بأغلبيّته إلى الجوع والخراب الاقتصادي، وربما إلى انفجار يأتي على ما تبقّى منه، "يا وحدنا".