تغيّر المناخ وصعوبة التمويل
ليس من المتوقع التوصل ٳلى اختراق كبير في الجمود المستمر منذ فترة طويلة بشأن قواعد تنظيم سوق الكربون العالمية، نتيجة أساسية لمؤتمر المناخ (كوب 29) في باكو، نتيجة غياب الزخم السياسي والصعوبة في جهود التكيف مع تهديدات المناخ والقاصرة تمويلاً، والعمل الفني لٳدخال حقوق الٳنسان وضمانات محاسبية في نظام ٳدارة مرفق البيئة العالمية. وهناك خطر من ٳحباط الصفقة البيئية في لعبة الكراسي المتحرّكة في قمة الاتفاق على الهدف الرقمي الجديد لتمويل المناخ.
كان صيف 2024 الأكثر حدّة وسخونة، مقارنة بالأعوام السابقة. لم تتخذ الإجراءات العاجلة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. وما يثير القلق الارتفاع المضطرد في درجات الحرارة التي تحدّت النماذج المناخية، ومن فيضانات مدمّرة وأعاصير في المحيط الأطلسي، ٳلى حرائق الصيف (جنوب كاليفورنيا)، وتصحّر وشحّ في المياه وانخفاض في الجليد البحري في القطب الشمالي (رابع أدنى مستوى تسجّله الأقمار الصناعية).
يقول الخبراء "ٳن عاماً من ارتفاع درجات الحرارة فوق الحد المسموح به لا يعني أن البشرية قد تجاوزت الخط رسميا". لكنه اتجاه مثير للقلق، فالمخاطر المناخية المتجدّدة أكثر فتكاً، والوفيات المرتبطة بها والخسائر المادية آخذة في الارتفاع.
يفترض موضوع البيئة بناء قدر كبير من الثقة بين الدول المانحة والدول الأكثرعرضة للتأثير وٳجراء تقدّم في مفاوضات المناخ في سياق عالمي للناشطين والعاملين في المؤسّسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، وممثلي ما يقرب من مائتي دولة، يجتمعون هذه الأيام في باكو. بعض القضايا أحرزت تقدماً، ٳلا العقبات الرئيسية لا تزال قائمة.
خطر الرحلات الجوية على تغير المناخ مسؤول عن 2,4% من انبعاث ثاني أكسيد الكربون
ما زال كثيرون من الناس يأخذون مخاطر المناخ على محمل الجدّ، مهما كانت الحجج والآراء محبطة في شأن المعايير المزدوجة، وعادة ٳلقاء المحاضرات ونشر التقارير بما تحمله من أدلة وبراهين عن الأزمات المحدقة بالأرض، والنفاق السياسي للدول المتقدّمة بشأن المسائل المناخية، وأولئك الذين يستمتعون بالرحلات ٳلى بحر قزوين غالباً ما يتعرّضون لسمعة سيئة، بسبب آذانهم المصنوعة من الصفيح. هذا، لم يمنع آلاف المندوبين من ٳهدار كميات من وقود الطائرات المستهلكة في رحلاتهم (خطر الرحلات الجوية على تغير المناخ مسؤول عن 2,4% من انبعاث ثاني أكسيد الكربون).
تسعى الدول في أذربيجان إلى استبدال الهدف الذي جرى الاتفاق عليه أول مرّة في عام 2009، عندما تعهّدت الدول المتقدّمة بتوفير مائة مليار دولار سنوياً لتمويل المناخ في الدول النامية بحلول عام 2020، وهو هدفٌ جرى تحقيقه بعد تأخير عامين، وفقاً لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD). ويُنظر إلى الهدف الجديد، المُسمى "الهدف الجماعي الكمي الجديد" (NCQG)، أنه أساسي لتمويل الجهود الرامية للحدّ من درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو الحد الأدنى الذي حدّدته اتفاقية باريس التاريخية لعام 2015. فيما حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من قدرة العالم على البقاء ضمن الهدف مع احتمالية زيادة "كارثية" في درجات الحرارة تزيد عن ثلاث درجات مئوية.
ظهرت انقسامات كبيرة بين الدول في المحادثات التمهيدية مع اختلافات حول حجم التمويل وكيفية تنظيمه، ومن الذي يجب أن يتحمّل التكاليف، كيفية جمع مليارات الدولارات، وحتى تريلونات من الدولارات سنوياً على خلفية تغييرات وحروب عالمية وصعوبات اقنصادية ومسألة الديون التي تشكّل أهمية مركزية.
حذر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من قدرة العالم على البقاء ضمن الهدف مع احتمالية زيادة "كارثية" في درجات الحرارة تزيد عن ثلاث درجات مئوية
تريد دولٌ ناميةٌ عديدة من الدول المتقدمة، باعتبارها المسؤولة الرئيسية عن الانبعاثات التاريخية، أن تتحمّل التكلفة في تمويل "ليس عملاً خيرياً"، بل هو في مصلحة الجميع، لكن الأخيرة الغنية محاصرة في حلقة مفرغة. تأثرت ميزانيّاتها جرّاء جائحة كورونا وأزمة الطاقة، وتمانع في الالتزام بتقديم منح كبيرة، خاصة بعد أن واجهت صعوبة في تحقيق الهدف الأولي بتوفير مائة مليار دولار سنوياً. بدلاً من ذلك، دفعت الدول الغنية باتجاه توسيع "قاعدة المانحين" (الدول التي يُتوقع منها المساهمة)، وفقاً للتصنيف الدائم للأمم المتحدة، لكن توسيع قاعدة المانحين ليس بالأمر السهل، قد تُطالَب بعض الجزر الصغيرة الضعيفة بدفع مساهمات، بينما يمكن للصين أن تتجنّب ذلك.
تجري هذه المفاوضات في ظل زيادة التعرّض للصعوبات المستقبلية، حيث تعاني أجزاء كبيرة من أميركا الجنوبية من الجفاف، بينما تواجه إسبانيا فيضانات مدمرة، ويدفع الاتحاد الأوروبي نحو هدف تمويلي "طبقي"، حيث يتم دعم جزء أساسي من التمويل العام من خلال استثمارات خاصة، مع الحاجة لأنواع مختلفة من التمويل المناخي، بما في ذلك استثمارات رأسمالية تصل في المتوسط إلى حوالي ثلاثة تريليونات دولار سنوياً حتى عام 2050 لإنشاء أنظمة طاقة خضراء، ويُفترض أن تمولها مؤسسات خاصة، وأخرى مدعومة من بنوك التنمية المتعدّدة الأطراف. وقد دعت المجموعة العربية إلى هدف تمويلي قدره 1.1 تريليون دولار سنوياً بين 2025 و2029، يُخصّص جزء من التمويل العام لتحفيز الاستثمارات الخاصة. لكن التركيز الرئيسي في باكو على المنح والتمويل التفضيلي، بدلاً من التمويل الخاص. وهذا مهم للمفاوضين عن البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل وعن الدول الأفريقية تحت وطأة الصدمات المناخية وعبء الديون. ما يعيق قدرتها على تحقيق أهدافها المناخية والتنموية، فيما الهدف الواقعي لما يمكن للقطاع العام توفيره وتحفيزه بشكلٍ مباشرٍ قد يكون في حدود "مئات المليارات"، حتى لو كانت التريليونات مطلوبة.
يفترض موضوع البيئة بناء قدر كبير من الثقة بين الدول المانحة والدول الأكثرعرضة للتأثير وٳجراء تقدّم في مفاوضات المناخ في سياق عالمي للناشطين والعاملين في المؤسّسات الدولي
لا يُبدي عديدون من المفاوضين آمالاً كبيرة في أجواء دولية غير مؤاتية، في ظل حروب مشتعلة وصراعات جيوسياسة مع تساؤلات بشأن استمرار الولايات المتحدة في اتفاقية المناخ. لقد انسحب ترامب مرّة واحدة، ومن المرجّح أن يفعل ذلك مرّة أخرى. كما انهار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، ولم تعُد قادرة على تحمّل الانتقال ٳلى "صفر كربون" ، ومن المقرّر أن تتخلى دول أوروبية أخرى عن أهدافها المناخية، عندما تصبح التكاليف واضحة للناخبين. لن يكون هناك تقدّم ملموس في انبعاثات الكربون والحد من الاحترار، ٳلا ٳذا وافقت الدول المصدرة للانبعاثات، الصين (32%)، الولايات المتحدة (13%)، الهند (8%) ودول نامية أخرى مثل أذربيجان (استغلّ رئيس اللجنة المنظّمة للمؤتمر مركزه لجذب المستثمرين ٳلى التنقيب عن النفط والغاز) على التضحية بنموها الاقتصادي، من أجل تحقيق التنمية المستدامة. وهو ما لا يعوّضه النمو في الطاقات المتجددة والسيارات والبطاريات الكهربائية، ومن خلال زراعة الأشجار (سنغافورة وسويسرا وكوريا الجنوبية واليابان). لن يتم الاتفاق على كل شيء في باكو، وهناك حاجة لمزيد من العمل قبل التوجّه ٳلى مدينة بيليم الأمازونية عام 2025.
سيتعيّن التقلّيل من التوقعات الايجابية من دون إغفال "تحالف النساء القياديات في المناخ"، الذي جرى إطلاقُه رسمياً في المؤتمر، ودفعهنّ إلى إظهار قوتهنّ، فيما المستفيد السيد ٳلهام علييف وجد في المؤتمر فرصة لعملية تجميل باكو وتقديمها مدينة حديثة، والتستّر في مسألة تحول الأذربيجانيين نحو الديمقراطية. وهو يعتقد أن أميركا والاتحاد الأوروبي سوف يتجاهلان تصرّفاته بالتقرّب من موسكو، ما دام الغاز مستمرّاً في التدفق ٳلى أوروبا.