ثقل دم ذلك المحور
لطالما تمّ تجاهل عامل العدوى في علمَي السياسة والاجتماع. وما الذي يفسر، غير عدوى السمجين، أن يكون بين أطراف محور روسيا ــ إيران ــ سورية ــ الصين ــ فنزويلا ــ بيلاروسيا ــ كوريا الشمالية... (باب الانتساب مفتوح لدول وجماعات) هذا الكم من المشتركات، وأبرزها ثقل الدم؟ يقول وزير الخارجية السورية فيصل المقداد إن ذلك الذي حصل في سورية، يوم 26 مايو/ أيار الماضي (انتخابات!) "أفضل بآلاف المرات من الانتخابات الأميركية المهزلة التي اطلعتم عليها"، فتجد ملهم المقداد، سيرغي لافروف (من هو ملهم المقداد فعلاً، لافروف أم محمد جواد ظريف؟)، يزايد عليه من موسكو، فيحذر جو بايدن من أن روسيا تريد أن تبحث خلال الاجتماع الأول بين فلاديمير بوتين وبايدن (في 16 يونيو/ حزيران الحالي في جنيف)، مسألتَي حقوق الإنسان في الولايات المتحدة والملاحقات القضائية بحق المشاركين في الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير الماضي. قبل حكمتَي المقداد ولافروف، أمكن إيراد مئات الأقوال الخالدة التي تسابق على إطلاقها زعماء في أطراف ومراكز المحور المذكور. أحداث السترات الصفراء في فرنسا قبل عامين، شكلت محطة مركزية لمسؤولين وفاعلين في المعسكر الأسود لكي يسخروا من "أكذوبة الديمقراطية الغربية". أحداث الكابيتول والانتخابات الأميركية كانت مناسبة ليتسابق العباقرة إياهم إلى الاحتفال بانتصار الغوغاء وموت الديمقراطية، ولم يستوعبوا أنها كانت على العكس تماماً، إنجازاً لها؛ فيها، أطيح رئيس شعبوي معادٍ للديمقراطية، وانتصر المنطق على العنصريين واستتبت الأمور رغم ما فيها من مصائب تشكل دافعاً للدفاع عن الليبرالية لا فرصة لذمّها ولإثبات أن التسلط هو الدواء مثلما يعتبر رموز التحالف العالمي الذي يجمع ما بين أنظمة يشكل بقاءها في القرن الواحد والعشرين إهانة للإنسانية. والحِكَم المسجلة بأسماء مسؤولي هذه الأنظمة تمر في ما بين قنوات المحور بما يشبه الترجمة الفورية. ذات يوم، صعد علي خامنئي إلى منبره، وخصص خطبة لشتم لقاحَي فايزر وأسترازينيكا "لدفع الضرر عن الشعب الإيراني" ومنع استيرادهما، فخرج فوراً حسن نصرالله (هل هو فعلاً مصاب بكورونا؟) بخطاب ضد "اللقاح الأميركي" (هكذا سمّاه) الذي جزم بأنه لن يتلقاه.
صفة ثقل الدم ليست تخفيفاً عن جرم حامليها، بل لا بد أن يكون لها مقياس دقيق في طب النفس. قبل أيام، خطفت سلطات بيلاروسيا طائرة كان عليها صحافي منشق، وأنزلتها على أراضيها لاعتقال أبرز معارضي سلطة ألكسندر لوكاشينكو، المهووس بتقليد فلاديمير بوتين في كل تفصيل. ولمّا ضاقت أحوال الرجل أمام استفظاع العالم فعلته، سحب من جيبه أكذوبة لم تأخذ حقها من التنديد في العالم: الطائرة تلقت تهديداً بتفجيرها من قبل حركة "حماس"! نحن أمام هذا الحدّ من الشر عند هؤلاء إلى درجة أن سيرغي لافروف إياه، الذي يطالب اليوم بمعلومات شفافة عن أحوال حقوق الإنسان في أميركا وعن محاكمة رعاع ترامب، "صُعق" من المواقف العالمية التي نددت باختطاف طائرة "راين إير" من قبل استخبارات لوكاشينكو. وهل يعقل ألا يُصعق من سلوك كهذا، وزير خارجية سلطة تستفيق وتنام على تصفية معارضيها خارج الحدود وداخلها؟
أيام قليلة ونتفرج على مأثرة جديدة في إيران. في 18 الشهر الحالي، سنكون أمام اقتراع على الرئاسة سيقولون إنه أفضل بمليارات المرات من الانتخابات الأميركية. هناك، لن ننتظر ولن نحتار ولن تتسبب آليات الفرز وإعادة الفرز وعدد المراقبين والقوانين الناظمة للاستحقاق بأي صداع. تقدم 590 مرشحاً بأوراقهم، فقبل خامنئي 5 منهم مع أن الفارق بين المرشحين هو في ضآلة الاختلاف بين ثقل الدم والسماجة.
آه يا كيم جونغ أون، متى يحين دور انتخاباتك فتلقننا درساً في الديمقراطية؟