جبل الضجر السوري
يعود الملف السوري إلى دوائر الاهتمامات الدولية. مؤتمر وزاري في روما في الثامن والعشرين من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، في وقتٍ تستعد الوفود كي تشد الرحال إلى الجولة الخامسة عشرة من مفاوضات أستانة في سوتشي، وتجري مشاوراتٌ من أجل عقد جولة سادسة للجنة الدستورية في جنيف. وأبرز ما في المؤتمر الوزاري للدول السبع الذي استضافته العاصمة الإيطالية أول مشاركة وازنة للولايات المتحدة في اجتماعٍ يخصّ سورية منذ تسلم الإدارة الأميركية عملها في بداية السنة الحالية، والهدف من الاجتماع الضغط على روسيا من أجل الموافقة على قرارٍ للأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود لحوالي 13 مليون لاجئ سوري، حسب أرقام منظمة هيومن رايتس ووتش. أما جولة أستانة فلا تخرج عن سابقاتها منذ عام، واللازمة التي تتكرّر هي تحقيق وقف إطلاق النار في إدلب، ودفع عمل اللجنة الدستورية وقضية المعتقلين. وعلى الطريق ذاته، تسير اللجنة الدستورية، والذي بدأته في اكتوبر/ تشرين الأول 2019، من أجل وضع دستور سوري. ومنذ ذلك الحين، عقدت خمس جولات، ولم تتوصل إلى أي اتفاقٍ بين مكوناتها الثلاثة، المعارضة والنظام والمجتمع المدني.
في هذه الأثناء، ثمّة ملاحظة مهمة، أن الوضع السوري مجمّد دوليا في الوقت الراهن، وتتحكّم موسكو وطهران باتجاهاته الأساسية، وما يجري من لقاءات دولية خلف الأبواب المغلقة لا يعدو عن ثرثراتٍ لتقطيع الوقت لم تعد تثير الاهتمام، وتصدر عنها بياناتٌ تبعث على الضجر. والثابت أن الملف السوري يتراجع من الناحية السياسية لصالح الشأن الإنساني، وتشكّل الانتخابات الرئاسية التي جرت في 16 مايو/ أيار الماضي محطّة مفصلية. وطالما أن القوى الدولية التي اعتبرت الانتخابات غير شرعية، لم تتخذ منها موقفا عمليا، فإن البيانات التي أصدرتها لا قيمة لها. ولذلك صار الشأن الإنساني، وتحديدا قضية المساعدات الدولية، مركز الاهتمام، ولكن الخطير هنا أن هذا التراجع يتم بشروط روسيا والنظام، وهذا أمرٌ يجد تطبيقه المثالي من خلال الآلية الدولية لوصول المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين داخل سورية في منطقتي الشمال الغربي والشرق، واستطاعت موسكو قبل عام أن توقف عمل معبرين رئيسيين للمساعدات، اليعربية مع العراق، وباب السلامة من تركيا. وتنازلت أمامها الدول الكبرى في مجلس الأمن، ووافقت على الإبقاء على ممر وحيد، هو باب الهوى الذي يخضع الآن لمساومات روسية، وسيتقرّر مصيره في العاشر من شهر يوليو/ تموز الجاري. وتضغط موسكو من أجل إغلاق كل الممرّات الإنسانية خارج سيطرة النظام وتسليم المساعدات الدولية له. وتهدف من ذلك إلى إعادة تأهيل النظام سياسيا، وتطبيع علاقاته العربية والدولية، وتسليحه بورقة المساعدات من أجل فرض نفوذه على أوسع نطاق من الجغرافيا السورية، على الرغم من أنه يحتكر المساعدات التي تصل إليه منذ عدة سنوات، ويحصر توزيعها بالموالين له في غياب إشرافٍ ومتابعةٍ من المنظمات الدولية المختصّة. وتعمل روسيا في المدى المنظور على إيصال المجتمع الدولي إلى طريقٍ مسدود، وليس أمامه غير الخيارات التي تتبنّاها بقوة وتقاتل من أجل فرضها، وهي الذهاب نحو إعادة الإعمار بشروطها، ووفق معادلة إعادة تعويم النظام. ومن المؤسف أنه ليست هناك قوة دولية قادرة على وقف المدحلة الروسية. وعلى الرغم من وجود عقوبات أميركية صارمة على النظام، سيما قانون قيصر، فإن روسيا وإيران هما من يحقّق التقدّم بالنقاط ضمن منطق فرض الأمر الواقع بالقوة، من دون أي حسابٍ لما حل بالسوريين من كوارث، وما صدر عن الشرعية الدولية من قراراتٍ لحل المسألة السورية، والتي باتت من كثرة تكرارها في المحافل والاجتماعات الدولية بمثابة جبلٍ من الضجر.