جريمة شرف في مصر أو سورية
وقعت في مصر، أواخر الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وبالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة؛ حادثة دراماتيكية، ذات فصول متعدّدة. في إحدى المدن، تزوّجت فتاة يوم الخميس، وأعادها عريسها إلى أهلها يوم الجمعة، لأنّها فاقدة العذرية. إلى هنا والخبر عادي، فمن بين مئات آلاف البنات اللواتي يتزوجن، قد يصادف وجود واحدة فاقدة عذريتها، لسبب أو لآخر. وتتفاوت مواقف العرسان لدى اكتشاف هذا الأمر، بين ذي قلب طيب، يرقّ لحال الفتاة وهو يرى خوفها ودموعها، ويمنحها وعداً بأن يستُر عليها. وبناء على هذا الوعد، يبقيها عنده قرابة شهرين، ثم يطلقها، معلناً أسباب الطلاق؛ أنّها نكدية، ومأنشحة (قليلة النظافة)... وآخر فضائحي، متنمّر، يخرج إلى أهله، ويذيع فيهم الخبر بطريقة احتفالية، ثم يرسلها إلى بيت أهلها، كما يقول أهل شمالي سورية "يا كابّة يا عاثرة". وهذا ما حصل، في الخبر أعلاه.
وبما أنّ أحوال البلاد العربية متشابهة، فأنا، محسوبكم، أتخيّل أنّ هذه الحادثة وقعت في مناطقنا، ووقتها لا بد أن تسير الأمور وفق السيناريوهات الآتية: في دار العريس، تكثر الطبطبة على كتف الشاب، الشريف، الذي لم يقبل أن يتجرّع هذا العار، ويقول له الأعمام: ارفع رأسَك ابن أخي، أنت رجل، والرجل لا يعيبه شيء. ووالدته تواسيه قائلة: لا تزعل، يا ابني، والله لأجوزك أحسن منها بمائة مرة. وأما أصدقاؤه، أبناء جيله، فلا بد أن يتهامسوا معه، فيهمس في آذانهم سارداً ما جرى معه بالضبط. وقد يوجد، ضمن هذه الهلّيلة شخصٌ عاقل، يلومه على تسرّعه، وعلى أنّه لم يستر على البنيّة... وأما في دار أهل الحلقة الأضعف، العروس، فلا بد أن يخيّم الحزن على الرجال، وإذا كانوا أبناء ريف، فلا بد أن ينكّسوا عقالاتهم إلى الأمام، مؤقتاً؛ إلى حين أن يقوموا بواجب غسل العار، ووقتها يأتي كل واحد منهم بوردة جورية ويشكلها في عقاله. وأما نساء العائلة، فتتجمّد الدموع في مآقيهن، وتقف قلوبهن على شعرة، وهن يشممن رائحة جريمة وشيكة الحدوث.
وبعد صمت طويل، في مجلس الرجال، يحتدم الصراع بين فريقين منهم، الأول يحسم أمره بأن الفتاة عائبة، ويجب أن تُقتل، وتقتضي الحكمة في مثل هذه الحالات أن يقتلها أحد أشقائها القاصرين، أي الذين لم يتجاوزوا سن الـ 18، لأنّ حكم القانون على القاصر أقل. والفريق الثاني ينصح بالتريث، فالقتل جريمة، يبقى إثمها معلقاً برقبة القاتل إلى يوم القيامة، ويقف رجالٌ من الفريق الثاني، في وجه الشبّان المتهورين الذين ينطلق واحدٌ منهم، بين حين وآخر، إلى الغرفة التي وضعت فيها الفتاة، وهو يصرُخ بالنساء لكي يبتعدن عن طريقه، لينفذ عملية القتل بعيداً عن هذه المناقشات التي يرى أنّها عقيمة... وهنا، ربما قد يلقي أحدهم في الوسط فكرة؛ أنّ من المحتمل أن تكون الفتاة عذراء، وأنّ عريسها غشيم، لم يستطع أن يعرف، أو يميز.
يتعلق الرجال الذين يمثلون، في هذا الصراع المرير، دورَ الحمائم، بقشّة هذه الفكرة، ويبدأون بترتيب الأمور بأن تُعرض الفتاة على طبيبٍ شرعي محلف، وهذا ما حصل مع الفتاة المصرية، بالفعل، فقد عُرضت على طبيب شرعي، فاجأهم بتقرير أنّها عذراء، فخرج أهلها عن بكرة أبيهم، ليحتفلوا بهذا الخبر الذي يرفع الرأس، وصُورت احتفالاتهم، ونُشرت على "النت"، وتحوّلت القصة إلى "تريند".
لا عمل لهذه التقاليد الاجتماعية (البالية)، في الحقيقة، غير انتهاك خصوصية الإنسان، والمرأة تحديداً، فقد تخلّلت هذه الدراما المرعبة كما ترون، ثلاث فضائح مؤلمة: الأولى ذيوع الخبر. الثانية عرض الفتاة المسكينة على الطبيب. الثالثة هذه الاحتفالية العلنية التي نُقلت إلى العالم في بثّ مباشر!