جنرالان سودانيان يليق أحدهما بالآخر!
منذ ظهر تحالفهما في إبريل/ نيسان 2019، حرص الرجلان في كل خطاباتهما الجماهيرية على أن يقولا الشيء ويفعلان نقيضه، وأن يحكيا الحكايات عن المؤامرات التي تُحاك ضدّهما. يليق الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بحليفه وعدوه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
في سبتمبر/ أيلول 2021، وبعد ساعات من أخبار عن محاولة انقلابية ضد النظام الانتقالي الحاكم وقتها في السودان، سارع القائد العام للجيش البرهان بالهجوم على الأحزاب المدنية في قوى الحرية والتغيير، بدلاً من انتقاد محاولة التمرّد العسكري المحبطة، وهو تمرّدٌ كانت أغلب أسبابه متعلقة بتململ كثيرين من ضباط الجيش من نفوذ قائد الدعم السريع المتزايد (حميدتي).
عقب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بينما تقمع قوات الدعم السريع المتظاهرين السلميين في شوارع العاصمة الخرطوم، كان حميدتي يشكو للمبعوثة الأميركية والسفير السعودي من مؤامرة لتشويه سمعة قواته!
يعشق الرجلان الشكوى، ويحكيان في خطاباتهما للمواطنين عن غلاء الأسعار وانعدام الأمن. كأنه جار لطيف التقيتُه في الشارع، فتبادل معك الشكوى من أوضاع البلاد. استمرّا على النهج نفسه عقب الحرب بينهما. كأن شيئاً ما تغير. بل تبدو الأشياء التي تغيّرت كما لو فعلت ذلك على مضض.
ظلّ قائد قوات الدعم السريع نائباً لرئيس مجلس السيادة شهراً بعد الحرب، حتى تذكّر البرهان أن يقيله. ومثله محافظ بنك السودان المركزي، الذي جاء لهذه الوظيفة من العمل في بعض مؤسّسات "الدعم السريع" المالية. واحتاج تصنيف "الدعم السريع" جماعة إرهابية حوالي عشرة شهور من الحرب.
ويتنقّل قائد الدعم السريع بين الدول الأفريقية مقدّماً نفسه قائداً يبحث عن السلام والديمقراطية في بلاده، بينما ترتكب قواته كل يوم المزيد من جرائم الحرب، وتنهب أموال المواطنين وممتلكاتهم. ومن عاصمة أفريقية إلى أخرى، يحكي حميدتي مظلمَته، وكيف أن حليفه السابق خائن وغير مؤتمَن، بعكسه هو الساعي إلى وطنٍ مستقرٍّ ديمقراطي!. ... ومع حربٍ أجبرت أكثر من عشرة ملايين مواطن سوداني على النزوح، لا يرى الجنرالان إلا نفسيهما، فكل المعارك والمفاوضات تدور حول "أن أنتصر أنا عليه"، أياً كان ثمن ذلك النصر. يصف حميدتي البرهان بأنه رجل مخادع، فيصفه البرهان بأنه مهرّج! هكذا، في خطابات عامة. يتجوّل البرهان في كورنيش مدينة بورتسودان، عاصمته الجديدة، ملتقطاً الصور مع المارّة. مقدماً نفسه حاكماً شعبياً محبوباً "ملتحماً بالجماهير". بينما يتجوّل حميدتي في عواصم أفريقية، مقدّماً نفسه حاكماً مسؤولاً يبحث عن السلام. وهي تصرّفات تخالف حقيقة الرجلين.
تقترب حرب السودان من إكمال عامها الأول. مع موجات النزوح الضخمة، وانهيار البلاد، ومعاناة المواطنين، يناور البرهان وحميدتي بعضهما. يعتذر حميدتي عن لقاء البرهان، فيرفض البرهان لقاءه في المرّة الثانية. يتفق الطرفان على هدنة لوقف إطلاق النار، ثم يتبادلان الاتهامات بشأن من خرقها.
بشكل ما، يبدو الطرفان غير قادرين على الحرب، وغير راغبين في السلام. لهذا ستستمر المأساة السودانية تأكل نفسها ما لم يحدُث ضغط دولي قوي مع موقف سياسي وشعبي ضد الحرب وضد طرفيها ونزعتهما السلطوية. تلك النزعة التي يحاول طرفا القتال كل يوم نفي أنها تحرّكهما. ويدّعيان أنهما لا يخوضان هذه الحرب من أجل السلطة أو النفوذ، إنما من أجل الديمقراطية والثورة وحماية البلاد. وهو ادّعاء قديم سبق وقدّماه مشتركيْن في أكثر من موقف، وها هما يرفعانه في وجه بعضهما بعضاً اليوم.
انهارت وساطة "الإيغاد"، وجرى تجميد منبر جدّة التفاوضي، لكن مع اقتراب العقوبات الدولية من القائدين فربما يجبرهما ذلك على الجلوس معاً قريباً.