25 اغسطس 2024
حلبجة وريادة الضرب بالكيماوي
يمكن للمرء، في زحمة الموت، وتهديد وجود الإنسان على وجه الأرض بالحروب والأوبئة والاستبداد، أن يكون هادئاً في مناقشة قضيةٍ درجت العادة أن تترافق مناقشتها بهياط ومياط، وسباب، مثل قضية مجزرة حلبجة في العراق، والتي حلّت ذكراها رقم 32 قبل أسبوعين.
فيما مضى كنتُ، وأنا أخوكم، أتجنب الخوض في مناقشاتٍ كهذه، لأن معظم اللاعبين فيها متعصبون، موتورون، أصواتهم عالية كأصوات الأواني الفارغة عندما تُركل بالأرجل.. ولكنّ فكرةً خطرت لي بهذه المناسبة جعلت قناعتي تتغير، ملخصها أن صدام حسين كان "الرائد" الأول لضرب "شعبه" بالسلاح الكيماوي، وما بشار الأسد الذي ضرب شعبه بالكيماوي مراراً خلال الثورة إلا تلميذ عنده. وقد دونت هذه الفكرة على حائط فيسبوك، وعلق عليها ناشطون بطرق مختلفة.
ستبدو هذه الفكرة لمتلقّيها أكثر بهجةً وإثارة فيما لو استعرض في مخيلته أسماء العلماء الذين احتلوا موقع "الريادة" في اكتشافات تنفع البشر كالكهرباء، وقانون الجاذبية، والسفينة البخارية، والمحرّكات، والسيارات، والطائرات، والهاتف، والكومبيوتر، والمركبة الفضائية، ولمبة الإضاءة، ودخلوا إلى أعماق الذرة، إضافة إلى رواد الفلسفة، والمسرح، والرواية، والسينما، والقصة القصيرة، وسترعبه تسمية شخص ما رائداً في مجال ضرب شعبه بالأسلحة الكيماوية! ولكنه سوف يستدرك متسائلاً عما يمكن أن تبتكره الأنظمة الديكتاتورية غير الأقبية، والسجون الصحراوية، وفرع فلسطين، والكيماوي، والبراميل، وكتابة التقارير الأمنية، والرقص على الطبل في ذكرى الانقلاب العسكري، والكذب الإعلامي، والتشبيح.
وستقود المناقشة إلى تصحيح كلمة "شَعْبه" التي وردت أعلاه، فالشعب العراقي ليس شعب صدام حسين ليُقال إنه ضرب "شعبه" بالكيماوي. والشعب السوري، كما قال أستاذنا صادق جلال العظم، تلقّى إهانة تاريخية موجعة، حينما مرت عملية توريث السلطة من حافظ لبشار بسلاسة؛ فكيف نكون نحن الذين يضربنا بشار بالكيماوي والبراميل والطيران الحربي شعبه؟ ولكن لبشار الأسد ريادات لا تقل أهمية عن ضرب الشعب بالكيماوي، فهو رائد تحويل النظام الجمهوري إلى وراثي، بعدما أخفق أقرانه في مصر وليبيا والعراق واليمن في تحقيق هذا الفعل، وهو رائد تزوير الدستور خلال نصف ساعة في التاريخ الحديث، وأول ضابط في الجيش يحصل على ترفيعاتٍ تحتاج إلى ثلاثين سنة خدمة في دقيقة، وأول رئيس جمهورية يوقفه رئيس دولة محتلة، على أرض دولته، بين المرافقين وستاف الخدمة.
تفاوتت التعليقات على الفكرة المذكورة، من حيث حدّتها وغرابتها، فثمّة من تجاهل فكرة الريادة، ليثبت لنا أن بشار الأسد أكثر فتكاً بشعبه من صدام. وهذا صحيح، بسبب استمرار الثورة على بشار سنوات طويلة. ولكن لماذا يفرض علينا قَدَرُنا أن نقارن بين رئيس قتل عدداً كبيراً وآخر قتل عدداً أقل من شعبه؟ وآخر يقول إنه، وبغض النظر عن أن صدام حسين ديكتاتور ذو سجل حافل بالقتل والبطش، ولكن له مزايا، منها أنه أوقف المد الفارسي الشيعي على المنطقة العربية. تنطوي هذه المقولة على أخطاء كثيرة، أولها أن نغضّ النظر عن كونه ديكتاتوراً، وثانيها أن أعداءنا ليسوا الفرس والشيعة، وإنما المشروع التوسعي الإيراني، وثالثها، بل وأهمها، أن صدام حسين، على الرغم من الحرب الطويلة والتضحية بعشرات الألوف من شباب العراق، لم يستطع الوقوف في وجه المشروع، ومن لا يصدّق فلينظر إلى نفوذ إيران في عدد من الدول العربية الآن، وكيف يصعب على دول كبرى، مثل أميركا وحلفائها، الحد من هذا النفوذ.
الفكرة الأخطر في هذه المسألة تساؤل أحد الأشخاص: هل الأكراد الانفصاليون يريدون خيراً للعراق؟ هنا تظهر مصيبتنا، نحن أبناء هذه المناطق، واستعدادنا التام للانقراض. أسألك، ببساطة: لماذا تعتبرهم أكراداً ولا تعتبرهم عراقيين؟ وكيف عرفت "حضرتك" أنهم لا يريدون خيراً للعراق؟ وإذا ثبت أن بعضهم لا يريدون الخير للعراق، هل يحق لرئيس جمهوريتهم أن يقتلهم بالجملة؟
ستبدو هذه الفكرة لمتلقّيها أكثر بهجةً وإثارة فيما لو استعرض في مخيلته أسماء العلماء الذين احتلوا موقع "الريادة" في اكتشافات تنفع البشر كالكهرباء، وقانون الجاذبية، والسفينة البخارية، والمحرّكات، والسيارات، والطائرات، والهاتف، والكومبيوتر، والمركبة الفضائية، ولمبة الإضاءة، ودخلوا إلى أعماق الذرة، إضافة إلى رواد الفلسفة، والمسرح، والرواية، والسينما، والقصة القصيرة، وسترعبه تسمية شخص ما رائداً في مجال ضرب شعبه بالأسلحة الكيماوية! ولكنه سوف يستدرك متسائلاً عما يمكن أن تبتكره الأنظمة الديكتاتورية غير الأقبية، والسجون الصحراوية، وفرع فلسطين، والكيماوي، والبراميل، وكتابة التقارير الأمنية، والرقص على الطبل في ذكرى الانقلاب العسكري، والكذب الإعلامي، والتشبيح.
وستقود المناقشة إلى تصحيح كلمة "شَعْبه" التي وردت أعلاه، فالشعب العراقي ليس شعب صدام حسين ليُقال إنه ضرب "شعبه" بالكيماوي. والشعب السوري، كما قال أستاذنا صادق جلال العظم، تلقّى إهانة تاريخية موجعة، حينما مرت عملية توريث السلطة من حافظ لبشار بسلاسة؛ فكيف نكون نحن الذين يضربنا بشار بالكيماوي والبراميل والطيران الحربي شعبه؟ ولكن لبشار الأسد ريادات لا تقل أهمية عن ضرب الشعب بالكيماوي، فهو رائد تحويل النظام الجمهوري إلى وراثي، بعدما أخفق أقرانه في مصر وليبيا والعراق واليمن في تحقيق هذا الفعل، وهو رائد تزوير الدستور خلال نصف ساعة في التاريخ الحديث، وأول ضابط في الجيش يحصل على ترفيعاتٍ تحتاج إلى ثلاثين سنة خدمة في دقيقة، وأول رئيس جمهورية يوقفه رئيس دولة محتلة، على أرض دولته، بين المرافقين وستاف الخدمة.
تفاوتت التعليقات على الفكرة المذكورة، من حيث حدّتها وغرابتها، فثمّة من تجاهل فكرة الريادة، ليثبت لنا أن بشار الأسد أكثر فتكاً بشعبه من صدام. وهذا صحيح، بسبب استمرار الثورة على بشار سنوات طويلة. ولكن لماذا يفرض علينا قَدَرُنا أن نقارن بين رئيس قتل عدداً كبيراً وآخر قتل عدداً أقل من شعبه؟ وآخر يقول إنه، وبغض النظر عن أن صدام حسين ديكتاتور ذو سجل حافل بالقتل والبطش، ولكن له مزايا، منها أنه أوقف المد الفارسي الشيعي على المنطقة العربية. تنطوي هذه المقولة على أخطاء كثيرة، أولها أن نغضّ النظر عن كونه ديكتاتوراً، وثانيها أن أعداءنا ليسوا الفرس والشيعة، وإنما المشروع التوسعي الإيراني، وثالثها، بل وأهمها، أن صدام حسين، على الرغم من الحرب الطويلة والتضحية بعشرات الألوف من شباب العراق، لم يستطع الوقوف في وجه المشروع، ومن لا يصدّق فلينظر إلى نفوذ إيران في عدد من الدول العربية الآن، وكيف يصعب على دول كبرى، مثل أميركا وحلفائها، الحد من هذا النفوذ.
الفكرة الأخطر في هذه المسألة تساؤل أحد الأشخاص: هل الأكراد الانفصاليون يريدون خيراً للعراق؟ هنا تظهر مصيبتنا، نحن أبناء هذه المناطق، واستعدادنا التام للانقراض. أسألك، ببساطة: لماذا تعتبرهم أكراداً ولا تعتبرهم عراقيين؟ وكيف عرفت "حضرتك" أنهم لا يريدون خيراً للعراق؟ وإذا ثبت أن بعضهم لا يريدون الخير للعراق، هل يحق لرئيس جمهوريتهم أن يقتلهم بالجملة؟