حوار مع صديقتي مُدمنة الدراما
لم يُجبرك أحد، أيتها الصديقة الغلباوية العنيدة، على متابعة مسلسل "الثمن". صحيحٌ، حقّق المرتبة الأولى في قائمة الأكثر مشاهدة في الأردن، وفقاً لما أوردت الإحصائيات، لكنه، والحقّ يُقال، الأسوأ في تاريخ الدراما العربية بعد مسلسلات الكوميديا الأردنية الرمضانية. وذلك، بحسب رأيي المتواضع غير الملزم لأحد بطبيعة الحال. وهذا الإقبال الجماهيري مثيرٌ للعجب وللريبة في الذائقة الجمعية التي باتت تستهويها أكثر الأعمال الفنية تفاهة. تسعون حلقة من الرتابة والافتعال والتباطؤ والمطّ والشطّ في قصة حبّ أقل من عادية، تعتريها بعض الصعوبات غير المحبوكة جيداً. ومع ذلك لم تفُتك أيٌّ من حلقاته التي أوشكت على نهايتها من دون رأفة بجملتك العصبية. لعلك فعلت ذلك من باب جلد الذات والتلذّذ بمتعة الألم. هل أصبحت مازوشية، يا صديقتي التي تدّعي ثقافة في الدراما عميقة المستوى وذائقة فنية رفيعة؟
جميلٌ أنك تقرّين بأنه عمل بالغ الرداءة، حتى إن باسل خياط الذي يعجبك تمثيله في العادة كان غير مقنعٍ ألبتة. بدا لك ثقيل الظلّ، مبالغاً في التعبير عن انفعالاتٍ غير حقيقية. اعترف بأن معارفَ كثيرين كانوا يتابعونه ويتحدّثون عنه في المجالس، وأتفهم رغبتك في معرفة الخاتمة حتى يهدأ بالك. ذلك من حقّك الطبيعي المشروع، لا سيما بعدما ذلّل الحبيبان كل الصعوبات التي واجهت قصتهما الملحمية المؤثّرة!
ما الذي يدفعك وغيرك إلى التسمّر يومياً ساعات طويلة أمام الشاشة أسيرة للرداءة؟ على من تحتالين بالضبط سوى ذاتك؟ أما من وسيلةٍ أكثر جدوى لتزجية الوقت من دون الخضوع لأمزجة كثيرين من صنّاع الدراما ممن بلغوا من الكسل وشحّ المخيلة مرحلة الاتكاء بالمطلق على تعريب أعمال تركية لا تقل سطحيةً وتجاريةً واستخفافاً بعقل المتلقي وقدرته على التمييز؟ أعمال تعتمد بالمطلق على جماليات الصورة وحشد أكبر عدد ممكن من الممثلات الجميلات والممثلين الوسيمين من دون تدقيق كبير في المحتوى فاقد مقومات الإبداع، من نص شائق محكم البنيان، وإخراج قوي متمكّن، وأداء درامي مُقنع، يشجّعهم على المضي في طريق السهل والمربح حجم الإقبال المهول من مشاهدين لا يقلون اتّكاليةً وعدم اكتراث، يتعاطون مع الأعمال الفنية باعتبارها وسيلة تسلية فقط، وليست مصدراً معرفياً مهماً، من شأنه تثقيف المشاهد وتطوير ذائقته، لو تم توظيفه بشكل صحيح. ولكن شركات الإنتاج تتجنّب، كما يبدو، عن سابق إصرار، المنجز الروائي والقصصي العربي، رغم ثرائه وتنوّعه ومحاكاته الواقع، ويستسهلون النسخ واللصق اختصاراً للوقت وتوفيراً للنفقات من باب أن "الجمهور عايز كده"، ما يسوّغ سؤال جدوى الكتابة والجوائز الأدبية التي يحققها روائيون طالما هذه القطيعة بين الكتّاب الحقيقيين وصناع الدراما ما زالت قائمة، فمن النادر، في أيامنا هذه، أن نسمع عن اهتمام شركة إنتاج بتحويل روايةٍ حاصلةٍ على أرفع الجوائز إلى عمل درامي جادّ وملتزم وعميق، مساهمة منها في الخروج بالنص الروائي أو القصصي المتميّز من دائرة النخبوية الضيقة وتعميمه على جمهور المشاهدين المتخاصمين مع فعل القراءة من حيث المبدأ.
اقترحت على صديقتي العودة إلى أعمال الكاتب المبدع وليد سيف والراحل الجميل المخرج حاتم علي. قلت لها: طالما ما زلت على إصرارك على متابعة الأعمال الدرامية، شاهدي "ربيع قرطبة"، الثاني في ثلاثية بديعة، أولها "صقر قريش" وثالثها "ملوك الطوائف". تحفة درامية، نصاً وإنتاجاً وتمثيلاً وإخراجاً، تستحق إعادة المشاهدة، متعة حقيقية لعشّاق التاريخ وجماليات اللغة العربية السليمة والإخراج الذكي والإنتاج السخي الذي يحقّق بالنتيجة معادلة المتعة والمعرفة في آن. وعدتني بأن تحاول ذلك، لكن عليها أولاً أن تنتهي من مسلسل "الثمن"، لأنها غير مستعدّة للتوقّف عن مشاهدته، بعد كل هذه المعاناة، خشية أن يفوتها حفل زفاف زين وسارة!