خطة "أ" أردنياً
لم يبق رهان أردني لتجنّب السيناريوهات السيئة إلا ووقع بشدة؛ بداية من الرهان على عدم عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، وصولاً إلى الرهان على أنّ الضغوط الأميركية ستُجبره (نتنياهو) على التحالف مع تيار الوسط، وليس من قادة كتلة الصهيونية الدينية، ومنح مناصب خطيرة لشخصيات متطرّفة مثل أيتمار بن غفير. ومن الواضح أنّ الحكومة الجديدة، وفق القراءات جميعاً، ستكون الأكثر تطرّفاً ويمينية، بل ستشكّل منعرجاً جديداً في السياسات الإسرائيلية إلى الدرجة التي دفعت مقالات عبرية إلى التساؤل فيما إذا كان الخطر النووي الإيراني أشدّ خطراً على إسرائيل أم "دولة بن غفير"؟!
الآن، نحن أمام السيناريو الأسوأ على الإطلاق في رؤية مطبخ القرار في عمّان. ولن يقف الأمر على التعامل مع رئيس وزراء برزت العداوات الشخصية وتبادل الجفوة بينه وبين عمّان، بل أيضاً نتحدّث عن مشروع خطير سيؤثر على الوضع الأمني في الضفة الغربية، وسينعكس على المنطقة، وتحديداً الموقف الأردني.
إذا تجاوزنا المواقف اليمينية المتطرّفة للتحالف الحاكم الجديد، بخاصة ما يتعلق بشرعنة المستوطنات غير القانونية، وإنهاء أي احتمالٍ أو أمل بحل الدولتين، حتى ولو شكلياً، وهو الأمر الذي أشار إليه أحد أبرز الاستراتيجيين الأميركيين المتعاطفين مع إسرائيل، مارتن أنديك، في تغريدة له، بعنوان "باي باي حلّ الدولتين". لكن الأخطر هو مشروع تهويد مدينة القدس، والمسارعة نحو تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، وهو الأمر الذي يصطدم مباشرة مع الوصاية الهاشمية على القدس، وسيضع الموقف الأردني أمام ضغوط شديدة، خاصة أمام الرأي العام الفلسطيني، والوضع الشعبي الداخلي في الأردن.
إذاً، كل ما هو سيء وقع، ما العمل أردنياً الآن؟ هل هنالك خطّة أردنية للتعامل مع التحول البنيوي الخطير، وليس المقصود هنا الحكومة الحالية فقط، بل كما يشير الصديق أحمد جميل عزم، في ورقته على الموقع الإلكتروني لمعهد السياسة والمجتمع، في تغير القواعد الانتخابية في إسرائيل، فلم يعد هنالك يسار، وأصبح التنافس بين يمين ويمين آخر.
على الأغلب، يتبقى الرهان الأردني الأخير الهشّ على الضغوط الأميركية على الحكومة الإسرائيلية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمحاولة القيام بتغييرات في القدس، وواقع الحال في المسجد الأقصى، ومن الواضح أن نتنياهو لا يراهن كثيراً على علاقته بالرئيس الأميركي بايدن، بقدر ما هو متيقن من وجود دعم وإسناد قوي أميركي على مستويات مختلفة لإسرائيل، تاريخياً واستراتيجياً. وبالتالي، لا توجد فرصة مناسبة أكثر من الظرف الراهن بالنسبة لقادة الصهيونية الدينية الإسرائيلية لقطع مسافة أكبر نحو تحقيق الأحلام الدينية والأيديولوجية، وإلغاء أي أمل لإقامة الدولة الفلسطينية!
الرهان الأردني السابق، وهو أمر تكتيكي وليس استراتيجياً، أي إنّه لا يجيب عن الأسئلة الكبرى المتعلقة بالأمن الوطني الأردني وبالتغيرات الجذرية، سواء تحدّثنا عن حكومة نتنياهو أو حكومة يائير ليبيد، لأن الفروق بينهما ليست جوهرية، خاصة ما يتعلق بالدولة الفلسطينية والمستوطنات واللاجئين والقدس والحدود، ما يقودنا إلى السؤال المليون: ما الاستراتيجية الأردنية للتعامل مع هذا الواقع الجديد؟ وربما السؤال الأكثر دقّة: هل هنالك استراتيجية أردنية، مرتبطة بقراءة معمّقة للتحولات والمآلات والخيارات والبدائل، وتحديداً الخطة (ب)، في حال سقطت الرؤية الأردنية لحل الدولتين، وهو ما حدث فعلاً منذ وقت طويل، لكننا ما زلنا نؤجل (أردنياً) الإقرار بذلك؟ّ
الأسئلة برسم الإجابات لدى مطبخ القرار في عمّان: ما الرهانات الأردنية في مواجهة الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة؟ ما الرهانات بعد تلاشي حل الدولتين؟ ما الخيارات الأردنية بعد الاتفاقيات الإبراهيمية والانهيار الكامل للدعم العربي، حتى ولو رمزياً؟ ما تصوّرات الأردن المستقبلية لموضوع القدس والأقصى؟ ما خيارات الأردن تجاه الوضع الفلسطيني؟ ذلك كلّه من المفترض أن يقع تحت بند خطة (ب) الأردنية التي في ضوء كل ما يحدث هي الآن خطة (أ) إن كانت موجودة؟ مع التذكير بأن سياسة الملف الفلسطيني لا تنفصل عن شروط الأمن الوطني الأردني، وعن المعادلة الداخلية الأردنية بامتياز.