ردّ معتاد لحزب الله على الديمقراطية
انقسمت الشاشة إلى ثلاثة مشاهد، بعدما اتضحت نتيجة الانتخابات النيابية في لبنان مساء الاثنين: خاسرون حزينون لخسارتهم، وهذا طبيعي. محتفلون بفوز توزع على أطراف كثيرة، وهذا عين المنطق. وحزب لم يسعفه مقاتلوه المائة ألف في توقع خسارة حلفائه الذين يهمّه أمرهم بقدر ما تهمه المحافظة على النواب الـ27 المخصصين للطائفة الشيعية في البرلمان. استعار رئيس الكتلة النيابية لحزب الله، محمد رعد، إصبع التهديد من حسن نصر الله، وخاطب معارضيه من الذين صاروا نواباً، وأطلق نيرانه عليهم على هيئة كلماتٍ مليئةٍ بصيغ الأمر والنهي والجزم: "نتقبّلكم خصوماً في المجلس النيابي، ولكن لن نتقبّلكم دروعاً للصهاينة والأمريكيين.. لا تكونوا وقودًا لحرب أهلية. نحن متسامحون جداً، لكننا أقوياء جداً لنفاجئكم بما لا تستطيعون حتى التوهم به". حدّد الرجل ما هو مسموح وما هو محظور في جمهوريته. صنّف الوطني والصهيوني والأميركي. وككل أخ أكبر، ذكّر معارضيه بأنه متسامح، وككل أب قاسٍ ترك للمخيلة أمر تصوّر ما قد يفعله معهم في حال تمرّدوا على قوانين البيت والمرشد. لكن حجم الهستيريا كان أكبر من أن يقتصر التهديد والتخوين وازدراء الناس ونتائج انتخابات حقيقية على نائب واحد حتى ولو كان محمد رعد الذي سمّاه وليد جنبلاط ذات يوم "الحيط" (الجدار)، فانبرى زميل لرعد، وهو أحد النواب العابسين الدائمين كمعظم مسؤولي حزب الله، واسمه حسن فضل الله، قائلاً على شاشة قناة الحزب (المنار): لكل الذين رفعوا شعار نزع سلاح المقاومة من القوى التي ناصبتنا العداء والخصومة، أقول لهم، قبضتم ثمن هذه المواقف، ضعوا كل هذه البيانات والخطابات في المياه، بلّوها واشربوا ماءها".
غضب حزب الله مفهوم. هنا بعض الشروحات الطائفية الضرورية: على الورق، تحقق هدف واحد من الغايات الأربع التي كان يرغب بإنجازها، وهو المحافظة على النواب الشيعة ومواصلة إغلاق الطائفة أمام أي تنوُّع. في المقابل، حلفاؤه من الطوائف الأخرى جميعهم إما خسروا غالبية داخل طوائفهم، مثل العونيين، ما ينزع الغطاء السياسي المسيحي عن دويلة حزب الله وتفرده وتسلطه وهيمنته، أو أنهم فشلوا في تحقيق أي حيثية تسمح بالقول إن لدى حزب الله نواباً يقسمون باسمه في أوساط الطائفتين الدرزية والسنية. عند الدروز، لم يتمكن حلفاء حزب الله من الفوز بأي مقعد. أما بالنسبة للسنة، فإن عدد النواب المؤيدين لحزب الحرب الدائمة لا يخوّلهم ادعاء تمثيل يتجاوز أصوات اللوائح الكبرى التي أمنت لهم الفوز. لهستيريا حزب الله أسبابها الموجبة، فقد فاز عن ممثلي انتفاضة 17 تشرين 2019، التي لم تكن سوى مؤامرة صهيونية ــ أميركية بالنسبة للحزب الإلهي ولزعيمه، 15 نائباً، اثنان منهم خرقا لائحته في عقر داره (مرجعيون، النبطية، بنت جبيل، حاصبيا)، ومكان مَن فازا؟ مكان اثنين ممن يجوز أن تُهدم إمبراطوريات من أجل إطاحة أمثالهما: رجل لا يكفي القاموس العربي لإيجاد أوصاف السوء التي تليق به، الرئيس السابق للحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان، والآخر رمز مافيا المصارف مروان خير الدين. ثالث أسباب غضب الحزب الذي يُخشى أن يُترجم دموياً كالعادة، تراجُع منسوب خوف خصومه من يده الطويلة، مع علمهم الأكيد بالمدى الذي يمكن أن يصل إليه لإسكات من يزعجونه، أو من يقرر أن يُظهر لهم ما "لا يستطيعون حتى التوهم به" بحسب معجم محمد رعد. وبحسبة بسيطة، وجد حزب الله نفسه صاحب كتلة مع حلفائه وأتباعه قوامها 61 نائباً من أصل 128، في مقابل 67 تعلو أصواتهم ضده بدرجات متفاوتة.
يدرك حزب الله محدودية سلطة البرلمان في بلد كلبنان محكوم بسلاحه وبأوامره التي لا تلبث أن تتحول سياسات رسمية بفضل إحكامه القبضة على الرئاسات الدستورية الثلاث وعلى أجهزة أمنية. لكن ما يدركه حزب الله أكثر هو أن لنتائج الانتخابات معاني لا يفيد ادعاء تجاهلها. هناك زمن سياسي في طور الولادة. المولود ليس من الصنف الذي تسهل تصفيته، وهو لكي ينمو فعلاً، لا يكفيه شرب ماء البيانات والخطابات التي نصح عابس الحزب بشربها.