زيارة بشار ومؤيدو الاستبداد
لفت نظري تعليقٌ لأحد أصدقائي على زيارة بشار الأسد الإمارات، يتساءل فيه عن موقف مؤيدي النظام السوري منها. جاء التساؤل بطريقة استنكارية، تهكّمية، كما لو أن صديقي يريد أن يُحرج المؤيدين، لأن رئيسهم سبق أن هاجم زعماء في الأمة العربية، ووصفهم بأنهم أنصاف رجال؛ فكيف يزور أحدهم، الآن، وهو مكتمل الرجولة إلى هذا الحد المخيف؟
وجهُ الغرابة في التعليق، برأيي المتواضع، أن كاتبه لا يعرف، أو يتجاهل، مدى المرونة التي يتمتّع بها مؤيدو الأنظمة الديكتاتورية، عموماً، تجاه حكّام بلادهم، أو ربما تجاه حكّام دول أخرى يحبونهم، ويتبنّون نهجهم، ويخلصون لهم، على الرغم من مرور سنين طويلة على موتهم. أضرب مثلاً بسوريين ما زالوا يحبّون جمال عبد الناصر، وآخرين يعشقون صدّام حسين، وثمة أناسٌ متفوقون على النموذجين السابقين، إذ يعشقون أي قائد مولع بسفك الدماء، مثل جمال باشا، والحجاج، وهتلر، وستالين. وللأمانة، عشّاق الرفيق ستالين لا يحبونه لكونه سفاحاً فقط، بل لأنه زعيم الاتحاد السوفييتي، المناصر، برأيهم، لقضايا شعوب العالم الثالث، المعادي، برأيهم أيضاً، للإمبريالية، والصهيونية.
الأمين العام لأحد التنظيمات الشيوعية السورية، أنكر، ذات مرّة، أن يكون الرفيق ستالين قد قتل مواطنين سوفييت معارضين حكمه، وتساءل، على طريقة بشار الأسد: هل يعقل أن يقتل رئيسٌ شعبه؟ وفي مرة ثانية، قال إن الرفيق ستالين قَتل مواطنين سوفييت، نعم، ولكنه كان محقاً، لأن أولئك المعارضين أصبحوا خطراً على الثورة، وكان لا بد من قتلهم، والمثل العربي يقول "لا بد مما ليس منه بد". وفي سنة 1989، في أثناء حكم غورباتشوف، وذيوع مبدأي العلنية وإعادة البناء، اضطرّ الرفيق السوري نفسُه إلى أن يضرب النسخة العربية من جريدة "أنباء موسكو" بالأرض، ويقول لمن حوله غاضباً: ساقطون، كذّابون .. يزعمون أن الرفيق ستالين قتل عشرةَ ملايين مواطن سوفييتي، أقسم بشرفي إنه لم يقتل سوى ستة ملايين!
لسنا محتاجين إلى أمثلةٍ كثيرةٍ لنثبت وجود هذه المرونة لدى مؤيدي نظام الأسد، ولكن حكاياتهم، في الواقع، مسلية، فهم يرون، في النهار، رأيَ العين، الهزائمَ المتلاحقة التي تلحق ببلادهم جراء هَبَل رئيسهم، وتسلطه، وتفرّده بالرأي. وعند الغروب، يذهبون إلى أقرب مَخْطَبٍ (مكان لإلقاء الخطابات)، ويفتحون بواجيقهم على مصاريعها، ويترنمون بمديحه وسلالته، وتعداد الانتصارات التي تحقّقت للأمة في ظل قيادته الحكيمة. الرفيق صابر فلحوط، مثلاً، بصفته رئيسَ "اللجنة العربية الشعبية السورية لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومة المشروع الصهيوني"، أعطى جواز سفر لمواطن سوري هرب من الجولان في أثناء الانسحاب الكيفي الذي أمر به حافظ الأسد. شكره المواطن، وقال: ولكن، الجواز صالح حتى سنة 2000، فماذا أفعل بعد هذا التاريخ؟ فقال له: استغفر ربك، يا زلمة، هل يعقل أن يترك القائدُ حافظ الأسد الجولانَ بلا تحرير حتى سنة 2000؟
يروي المعارض السوري دريد جبور حادثة جرت في أثناء المؤتمر الأول للحزب الشيوعي الكوبي عام 1975، بحضور وفد من سورية بقيادة الرفيق عبد الله الأحمر، نائب الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي. قال الأحمر: سياستنا في سورية تقوم على "تحييد" دول أميركا تجاه الصراع العربي الإسرائيلي. في طريق العودة إلى السكن الجامعي، انتقد دريد كلام عبد الله الأحمر، فهو يرى أن الواجب يقضي إيصال صوت قضيتنا إلى أميركا، بدلاً من طلب الحياد، وهذا استدعى سيلاً من التقارير الأمنية الكيدية كتبها بحقه زملاءُ الوحدة الوطنية آنذاك. وبعد أقل من شهرين على هذه الواقعة، عقد حزب البعث مؤتمره الثاني عشر في دمشق، وحافظ الأسد، نفسه، قال، حرفياً: مَنْ ينادي بـ "تحييد" دول أميركا تجاه الصراع العربي الإسرائيلي عميل أو مغفل.
وكان الرفيق عبد الله الأحمر حاضراً المؤتمر، بالطبع، وتهرّأت كفّاه من شدة التصفيق.