"ستيليتو"... الرداءة حين تبلغ أوجها
رغم المعاناة الشديدة والضغط على الأعصاب، كان عليّ التحلي بالصبروالتعوّذ من الشيطان، من أجل إجبار نفسي على متابعة بعض حلقات من المسلسل السوري اللبناني "ستيليتو" الذي "كسّر الدنيا"، على حد تعبير إخواننا المصريين، وذلك إشباعا لفضولي في الوقوف على مبرّر الشعبية الكبيرة، ونسب المشاهدات العالية التي حققها العمل، بحيث احتل المركز الأول في قائمة الأعمال الدرامية الأكثر مشاهدة في دول عربية عديدة. وبعد البحث والتقصّي، تبيّن أن المسلسل نسخة عن مسلسل تركي عرض قبل خمس سنوات، بعنوان "جرائم صغيرة". تقع أحداث المسلسل البطيئة الرتيبة المفتعلة غير المنطقية في مجمع سكني باذخ. ويدور الصراع بين أربع شخصياتٍ نسائية، يرتدين، طوال الوقت وفي كل المواقف الدرامية، ملابس رسمية باهظة الثمن، تلائم عارضات الأزياء، وينتعلن حتى في المطبخ الأحذية ذات الكعب العالي المسماري الذي كفّت النساء عن ارتدائه حتى في المناسبات الرسمية، ويضعن أطنانا من مساحيق التجميل، إضافة إلى الرموش الاصطناعية، والشعر المستعار. ويظهر جليا على وجوههن المحنّطة الخالية من أي تعبير مقنع آثار عمليات التجميل من شدّ ونفخ وحقن. المؤسف أن ممثلات بارعات، من وزن كاريس بشار وديمة قندلفت، وافقن على المشاركة في عمل سطحي تافه، لن يضيف إلى مسيرتهن الفنية شيئا، إذا ما اسثنينا الأجر الكبير الذي تقاضينه بحسب مصادر فنية. لم يختلف الأمر بالنسبة للممثلين الرجال، من أمثال سامر المصري وقيس الشيخ نجيب، ممن لهم بصماتهم في الدراما السورية، ويبدو أنهم ضحّوا بها من أجل السبب المادي ذاته.
حفاظا على جملتي العصبية من التدهور، قرّرت القفز عن حلقاتٍ كثيرة، من دون أن أشعر بأي تأثير على الخط الدرامي البائس، مجموعة النساء الأربعينيات يتصارعن على مواضيع فارغة لا معنى لها، في مواقف تخالف المنطق والواقع. مثلا، تفتري "فلك"، الشريرة، على "ألما"، الطبيبة العاشقة لزوج صديقتها، وتتقدّم بشكوى كيدية بحقّها، فتبادر الشرطة إلى إغلاق العيادة بالشمع الأحمر. هكذا ببساطة ومن دون تحقيق. وفي مشهدٍ لا يقل سذاجة، تضغط "نايلة" على طليقها، كي تنتزع منه البيت من خلال مكالمة هاتفية، ويصير لها ما أرادت، من دون أن تصل إلى دائرة السجل العقاري. وفي استخفافٍ ليس له مثيل، تبيع "فلك" بيتها المسجّل باسم والدتها، من دون أن يكلف المنتج نفسه تعيين ممثلة ثانوية لتؤدّي دور الأم، وتتمّم عملية البيع. أما عملية الاحتيال الكبرى التي قام بها صناع العمل، فهي المحاولة الفاشلة بإقناع المتلقي بأن الأحداث الجسيمة (!) تدور في لبنان، رغم أن الكل يعرف، كما تؤكّد المشاهد، إنها صوّرت في تركيا.
فشل العمل بشكل ذريع في محاولة التشويق من خلال مشاهد طويلة مملّة رتيبة لمحقّقين في جريمة قتل تقع في المجمع، من دون الإفصاح عن هوية الضحية، ويتابعون الأحداث التي تسردها الكوافيرة الثرثارة ومعلمة المدرسة العارفة بدقائق الأمور. .. تتلخّص مقولة العمل في أن النساء كيدهن عظيم، ماكراتٌ سطحياتٌ منشغلاتٌ بتوافه الأمور، لكنهن جميلاتٌ وأنيقات، أظافرهن مطلية وشعورهن مصفّفة، حتى وهن مستيقظات للتو. ولا يقلّ مظهر الرجال تكلّفا من حيث الأناقة المفرطة والشعر واللحى المصبوغة والانشغالات السطحية. ولا يمكن تصنيف العمل، في أحسن الأحوال، إلا بأنه مجرّد إعلان تجاري للبيوت الفاخرة والحدائق الغنّاء والسيارات الفارهة والأزياء الأنيقة ومستحضرات التجميل والأكسسوارات ليس أكثر. وعلى ما يبدو، ذلك من أهم عناصر النجاح المطلوب في زمن استهلاكي مقيت، انقلبت فيه المعايير الجمالية، وتشوّهت الذائقة الجمعية للجمهور المنبهر بالسخافة، غير القادر على تمييز الغثّ من السمين المصفق ببلاهة للرداءة، حين تبلغ أوجها!