25 اغسطس 2024
سقوط الأسد في أول رمضان
كنا نَحْسُبُ الوقت، في بداية الثورة في سورية، بالأيام والأسابيع، في انتظار سقوط نظام ابن حافظ الأسد، المشهود له بالإجرام على الصعيدين، الداخلي والخارجي. وكلما ارتفع عدد الضحايا تزداد قلوبُنا تعلقاً بالعالم الديمقراطي المتحضر، معتقدين أنه سيغضب لأجلنا، ويأتي بجيوشه الجرارة ليدكّ الأرض التي تقف عليها الطغمة الفاشستية التي تقتلنا.
بعد هذا، أصبحنا نضع آجالاً لتوقعاتنا، فنقول: إن شاء الله من هنا إلى آخر هذا الشهر سيسقط. أو: يمكن أن يسقط في أول رمضان، أو على العيد، أو في رأس السنة. ثم صرنا نحسب الزمن بالسنين، وكلما تنبأ أحدٌ، خلال هذه السنين، بسقوط النظام، نهرع إليه إما لنستبعد تَوَقُّعَه ونتهمه بحمل الأوهام، أو لنسأله إن كان يبني تنبؤَاته على معلوماتٍ أكيدةٍ، أم أنها مجرد تحليلات واستنتاجات تفتقَ عنها عقله المُرْهَق؟
تعلمنا، في السنوات الثماني الماضيات، كل أنواع المجادلة، والمماحكة، والتمترس وراء الأفكار المسبقة. يقول محللون في وصف هذه الحالة "الهروب إلى الأمام"، ويسميها آخرون "الضرب تحت الحزام"، أو تحت الزنار. ولهذه العبارة إيحاءات يخجلُ منها بعضُ إخوتنا الذين يمتلكون وفرةً من الأخلاق الحميدة. كأن تقول له، مثلاً، البارحة سهرنا وحكينا لبعضنا نكاتٍ من تحت الزنار، فيضع يديه على عينيه، ليخفي احمرار وجهه من شدة الخجل، ويهمس لنفسه بعبارة (تحت الزنار؟ يا عيبو). نقول له: طوّل بالك يا أخا العرب، فالزنار يقسم جسم الإنسان إلى قسمين، سفلي وعُلوي. في القسم السفلي، هناك المناطق الصماء الغبية التي تتلقى أوامر الدماغ فتنفذها صاغرة. أما القسم العلوي ففيه الذكاء، وطيبة القلب، والحقد، والإجرام، والجلطتان الدماغية والقلبية. ويمكن أن تقوم بعض الأجزاء العلوية بأفعال شبيهة بأفعال ما "تحت الزنار" التي تخجل حضرتُك منها.. يعني، باختصار، وعلى قولة زياد الرحباني: اختلط الحابل بالنابل وبلش ضرب القنابل.
لا تحسبنَّ اختلاطَ الحابل بالنابل أمراً هيناً، بل إنه قادرٌ على إنجاز أعظم الأمور المطلوبة على صعيد التخريب. يعني، بحسب معلوماتك، هل يوجد أعظم من الثورة السورية؟ ستقول لي: لا. وأقول لك، إن ما خرب الثورةَ، وخرب البلادَ كلها، هو اختلاط الحابل بالنابل؛ أعني الفوضى التي زعمتْ وزيرةُ الخارجية الأميركية، كونداليزا رايس، بعد غزو العراق 2003، أنها خَلَّاقة، وزعمتْ أيضاً أن حرب جورج بوش على أفغانستان والعراق سيحوّلهما إلى واحتين غَنَّاءَتين للديمقراطية. وبعد زمن طويل، اعترفت رايس بأنها كانت واهمة.. نعم واهمة، بل وسخيفة، فالفوضى لا تؤدي إلا إلى الخراب، ولا يسكن في الخراب سوى الحيايا والديدان والعناكب وأمهات أربع وأربعين.
في جو بهيج من اختلاط الحابل بالنابل، تجد بشار الأسد يحكي عن السيادة. وحسن نصر الله يأتي على سيرة تحرير القدس. وخالد العبود يعطي درساً في كيفية اعتبار اعتراف ترامب بضم الجولان إلى إسرائيل، لحظةَ انتصار لبيت الأسد وهزيمة للإمبريالية والصهيونية.. ولاعب القمار (شَرّيب العرق على الواقف أمام دكان إلياس) قد تحول إلى قائد فصيل مسلح يتلفت حواليه، باحثاً عن إنسان ذي قيمة عالية ليقتله، فلا يجد غير بعض القضاة الأجلاء، فيقتلهم، ويُتبعهم بقتل بائع العرق نفسه، مؤملاً أن يطوي تلك الصفحة من ماضيه، ثم يبايع "داعش، ويشحن معه مجموعة من الشبان إلى الرّقة ليقضي على نظام الأسد النصيري من ذلك المكان البعيد.. وترى، يا سيدي العزيز، الطبيبَ البيطري يشتغل في قلع الأضراس، وقالعي الأضراس يتولون اللجان المختصة بإجراء المفاوضات مع العدو الصائل، والضباطَ المنشقين يتحولون إلى محللين استراتيجيين، والسيد "فَلَنْكَش" الذي ليس له اسم أو محل من الإعراب يخاطب مفكراً كبيراً بأوسخ العبارات، ويطالبُ سوريين كثيرين بأن يرفضوا العمل في وظيفةٍ لا يرضى عنها هو حتى ولو ماتوا مع عائلاتهم من الجوع.. وهكذا..
بعد هذا، أصبحنا نضع آجالاً لتوقعاتنا، فنقول: إن شاء الله من هنا إلى آخر هذا الشهر سيسقط. أو: يمكن أن يسقط في أول رمضان، أو على العيد، أو في رأس السنة. ثم صرنا نحسب الزمن بالسنين، وكلما تنبأ أحدٌ، خلال هذه السنين، بسقوط النظام، نهرع إليه إما لنستبعد تَوَقُّعَه ونتهمه بحمل الأوهام، أو لنسأله إن كان يبني تنبؤَاته على معلوماتٍ أكيدةٍ، أم أنها مجرد تحليلات واستنتاجات تفتقَ عنها عقله المُرْهَق؟
تعلمنا، في السنوات الثماني الماضيات، كل أنواع المجادلة، والمماحكة، والتمترس وراء الأفكار المسبقة. يقول محللون في وصف هذه الحالة "الهروب إلى الأمام"، ويسميها آخرون "الضرب تحت الحزام"، أو تحت الزنار. ولهذه العبارة إيحاءات يخجلُ منها بعضُ إخوتنا الذين يمتلكون وفرةً من الأخلاق الحميدة. كأن تقول له، مثلاً، البارحة سهرنا وحكينا لبعضنا نكاتٍ من تحت الزنار، فيضع يديه على عينيه، ليخفي احمرار وجهه من شدة الخجل، ويهمس لنفسه بعبارة (تحت الزنار؟ يا عيبو). نقول له: طوّل بالك يا أخا العرب، فالزنار يقسم جسم الإنسان إلى قسمين، سفلي وعُلوي. في القسم السفلي، هناك المناطق الصماء الغبية التي تتلقى أوامر الدماغ فتنفذها صاغرة. أما القسم العلوي ففيه الذكاء، وطيبة القلب، والحقد، والإجرام، والجلطتان الدماغية والقلبية. ويمكن أن تقوم بعض الأجزاء العلوية بأفعال شبيهة بأفعال ما "تحت الزنار" التي تخجل حضرتُك منها.. يعني، باختصار، وعلى قولة زياد الرحباني: اختلط الحابل بالنابل وبلش ضرب القنابل.
لا تحسبنَّ اختلاطَ الحابل بالنابل أمراً هيناً، بل إنه قادرٌ على إنجاز أعظم الأمور المطلوبة على صعيد التخريب. يعني، بحسب معلوماتك، هل يوجد أعظم من الثورة السورية؟ ستقول لي: لا. وأقول لك، إن ما خرب الثورةَ، وخرب البلادَ كلها، هو اختلاط الحابل بالنابل؛ أعني الفوضى التي زعمتْ وزيرةُ الخارجية الأميركية، كونداليزا رايس، بعد غزو العراق 2003، أنها خَلَّاقة، وزعمتْ أيضاً أن حرب جورج بوش على أفغانستان والعراق سيحوّلهما إلى واحتين غَنَّاءَتين للديمقراطية. وبعد زمن طويل، اعترفت رايس بأنها كانت واهمة.. نعم واهمة، بل وسخيفة، فالفوضى لا تؤدي إلا إلى الخراب، ولا يسكن في الخراب سوى الحيايا والديدان والعناكب وأمهات أربع وأربعين.
في جو بهيج من اختلاط الحابل بالنابل، تجد بشار الأسد يحكي عن السيادة. وحسن نصر الله يأتي على سيرة تحرير القدس. وخالد العبود يعطي درساً في كيفية اعتبار اعتراف ترامب بضم الجولان إلى إسرائيل، لحظةَ انتصار لبيت الأسد وهزيمة للإمبريالية والصهيونية.. ولاعب القمار (شَرّيب العرق على الواقف أمام دكان إلياس) قد تحول إلى قائد فصيل مسلح يتلفت حواليه، باحثاً عن إنسان ذي قيمة عالية ليقتله، فلا يجد غير بعض القضاة الأجلاء، فيقتلهم، ويُتبعهم بقتل بائع العرق نفسه، مؤملاً أن يطوي تلك الصفحة من ماضيه، ثم يبايع "داعش، ويشحن معه مجموعة من الشبان إلى الرّقة ليقضي على نظام الأسد النصيري من ذلك المكان البعيد.. وترى، يا سيدي العزيز، الطبيبَ البيطري يشتغل في قلع الأضراس، وقالعي الأضراس يتولون اللجان المختصة بإجراء المفاوضات مع العدو الصائل، والضباطَ المنشقين يتحولون إلى محللين استراتيجيين، والسيد "فَلَنْكَش" الذي ليس له اسم أو محل من الإعراب يخاطب مفكراً كبيراً بأوسخ العبارات، ويطالبُ سوريين كثيرين بأن يرفضوا العمل في وظيفةٍ لا يرضى عنها هو حتى ولو ماتوا مع عائلاتهم من الجوع.. وهكذا..