سوريون في أوروبا
شهدت البلاد الأوروبية، خلال العقد الماضي، حركة لجوء غير مسبوقة. معظم اللاجئين من أبناء البلاد العربية، وبالأخص سورية التي شهدت، بعد عام 2011، حركة تهجير مُرعبة. أول ما قيل، ويقال في هذا الشأن، أنّ الحكومات الأوروبية رحّبت باللاجئين، لأنّ شعوبها قليلة الإنجاب؛ الرجل والمرأة الأوروبيان، اللذان يعيشان في بيت واحد، إذا تزوجا رسمياً، يَعتبران إنجاب ولد واحد قليلاً وإنجابَ ولدين كثيراً. وهكذا، يبدو أنّ معدّل الولادات في أوروبا: ولد ونصف لكلّ أبوين (!)
يمكن للأوروبيين أن يردّوا على هذا الزعم بكلام بسيط للغاية، يقولون لنا: نعم، نحن بحاجة لليد العاملة، وتجديد الدم في عروق مجتمعاتنا، ولكنّنا لم نرسل إليكم بطاقة دعوة مُذَهَّبَة لتشرّفونا، والصراعُ الدائر في بلادكم بين السلطة القمعية والشعب، الذي تحوّل بعد سنة من انطلاق ثورتكم إلى صراع دامٍ على السلطة، لا يَدَ لنا فيه، ومع هذا وذاك، ها نحن نفتح لكم بلادنا، ونؤويكم، ونقدّم لكم ما تحتاجونه، من دون قيد أو شرط، مع خالص الاحترام لشخصكم الإنساني الكريم.
المعضلة الأساسية في هذه المسألة، برأي كاتب هذه السطور، تنحصر في أنّ البيئة التي غادرها اللاجئون تختلف عن البيئة الجديدة اختلافاً يصل إلى حدّ التناقض، فنحن أبناء مجتمعات قمعية، فوضويون، شبه أميين، نخاف من الشرطي، ونقدّس الأمة ونحتقر الفرد، متشبّعون بتشكيلة واسعة من العُقَد النفسية، وفجأة صار مطلوباً منّا أن نعيش في مجتمع مُنظّم، يحترم العلم والعمل، وحقوق المرأة والطفل والشيخ والحيوان، ويحتكم إلى القانون، ولا يلتفت إلى الحكي والمواعظ والنصائح.
عانى اللاجئون السوريون في أوروبا بسبب هذا التناقض، وصدرت عنهم أفعال أزعجت سلطات البلاد التي يعيشون فيها وشعوبها، فكم كانت مفاجأتهم كبيرة، وصدمتهم مهولة، عندما عرفوا أنّ دائرة الرقابة الاجتماعية (السوسيال؛ تتدخّل بين الزلمة وعيلته)، فلا تسمح له أن يضرب امرأته أو يرفس طفله الصغير. وعلى هذا الأساس، تفجّر صراع اجتماعي كبير، وكثرت حوادث الطلاق بين السوريين، ولعلّه من الطريف الإشارة إلى أنّ مدينة أيسن الألمانية أصبحت تعرف بـ"مدينة المطلّقات". والتسمية تشير إلى أنّ السيدات هن اللواتي طلبن الطلاق، ووجدنه ممكناً، لأنّ الدولة تحفظ حقوق المطلقة القانونية والمعيشية، بينما المرأة في مجتمعنا إذا طُلّقت "تتبهدل"، ولا تجد لها معيلاً ولا نصيراً. أمّا موضوع الأطفال، فحدّث ولا حرج عن الحملات الإعلامية التي شُنَّتْ، في أقنية "السوشيال ميديا"، على "السوسيال"، خصوصاً في السويد، من الأهالي الذين أُخِذَ منهم أطفالُهم، لإثبات أنّهم مظلومون، والزعم إنّهم يَضْرِبون أطفالهم محضُ افتراء، وأراد فريق من المهاجمين "عنصرة" القضية، فقالوا إنّ الاستهداف يخصّ أطفال المسلمين. أمّا المدافعون عن موقف الدولة فقد أوضحوا، وبالأدلة، أنّ قانون حماية الطفل من العنف الأسري موجود ومطبّق قَبْلَ قدوم اللاجئين بزمن طويل، وحاولوا أن يثبتوا كذلك أنّ الأطفال الذين أخذتهم الدائرة تعرّضوا، بالفعل، للضرب، وأحياناً للتحرش. وعليه، فإنّ هذه الحملات الإعلامية نوع من "الزعبرة والهوبرة".
لم يستطع اللاجئون العرب والسوريون أن يستوعبوا فكرة أن يقوم القانون بحماية الإنسان وأخذ حقوقه، والأصحّ (عندهم) أن يأخذ الإنسان حقّه بذراعه، ولذلك انتشرت في شوارع المدن الأوربية ظاهرة جديدة تماماً، وهي المشاجرات الفردية (الوَلودة)، بمعنى أنها تبدأ برجلين، وبعدها تتوالد وتتحوّل خلال زمن قصير مشاجرةً جماعيةً طاحنةً، مثل ما حصل في منطقة شمالي الراين، عندما ساعد "الواتس أب" أقارب الفريقين المتشاجِرَيْن على التوجّه بالقطارات، والحافلات والسيارات الخاصة، من مختلف أنحاء أوروبا، إلى مكان المعركة، الأمر الذي اضطر رجال الشرطة في المدينة (المنكوبة بلاجئيها) أن يقيموا حواجز على الطرق المؤدّية إليها، ويمنعوا دخول كل مَنْ يحمل هوية توحي بأنّه جاء يشارك في المعمعة إلى المدينة (!)