عبد المنعم أبو الفتوح حرّاً وخلف القضبان
حكمت جنايات أمن الدولة العليا طوارئ في القاهرة، الأحد 29 مايو/ أيار الحالي، بالسجن المشدد على المرشّح الرئاسي الأسبق، رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، بالسجن 15 عامًا، بالإضافة إلى عدد من أصحاب الرأي المعارض للجنرال عبد الفتاح السيسي، يتجاوزون العشرين، وذلك رغم أن أبو الفتوح يبلغ قرابة 71 عامًا، ويعاني من أمراض مختلفة منها القلب، وهو مسجون منذ فبراير/ شباط 2018، بعد عودته من حضور مؤتمر في لندن. ورغم تلقيه تحذيراتٍ من العودة، إلا أن نبل معدنه وطيب موقفه النضالي الوطني منعاه من البقاء في الخارج، فهو منذ عهدي الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات ثم حسني مبارك، وصولًا إلى عام حكم الرئيس محمد مرسي معروف بالنضال.
عاد أبو الفتوح من لندن في نبل معهود دفع ثمنه غاليًا بالسجن سنوات في عهد مبارك، ثم فصله من جماعة الإخوان المسلمين في العام 2012، بعدما قضى فيها أغلب حياته، فكان الأقرب إلى التيار المدني معاملة وفهمًا وتواصلًا مع جميع أطياف المجتمع، بل إنه أعلن بوضوح رفضه إطلاق لقب "إسلامي" على نفسه، وارتقتْ همّته، حتى وصل إلى الجمع بين منصبي أمين عام اتحاد الأطباء المصريين والعرب، وواصلت همّته الارتقاء حتى نافس على منصب رئيس الجمهورية في أول انتخابات حقيقية في مصر في 2012. وبناء على الترشّح، أطيح به من جماعة الإخوان، بعد وصوله إلى مكتب الإرشاد من عام 1987 حتى 2009، وبقائه عضوًا في مجلس شورى عام الجماعة، أعلى هيئة رقابية بها. وعلى الرغم من هذا، جرى فصله من الإخوان في 2012، لمّا ترشّح للرئاسة، قبل إعلان الجماعة نفسها بعدها ترشيح المهندس خيرت الشاطر (فك الله أسره) ثم الراحل محمد مرسي.
عاد أبو الفتوح إلى مصر في فبراير/ شباط 2018، ضاربًا عرض الحائط برغبة السيسي التخلص منه وإبقائه خارج الدولة فسمح له بالخروج، وهي الفرصة التي تلقّفها كثيرون، غير أبو الفتوح، فلم يفرّطوا فيها، بل سعى وطنيون ملء السمع والبصر إلى الخروج من البلاد بطرق مختلفة، فكان الرجل مثالًا للتفاني وتصديق الأفعال للكلمات. عاد إلى القاهرة ليجري اعتقاله بعد أيام على ذمّة قضية ملفقة، وما إن انتهت مدة الحجز الاحتياطي التي أقرها دستور السيسي نفسه، حتى جرت إعادة تدويره في قضية جديدة في 2020.
عانى أبو الفتوح في محبسه من الاتهامات الباطلة بالتحريض على العنف والإرهاب ضمن الاتهامات الباطلة الموجهة إلى جماعة الإخوان المسلمين
وفي محبسه في سجن مزرعة طرة، عانى المناضل المسنّ الأمرّين من سوء المعاملة والتمادي في الخصومة حتى كاد أن يفقد حياته في 23 من مارس/ آذار الماضي، إذ على أثر ازدياد معاناته مع إدارة السجن، توقف عن استقبال زيارات أسرته في السجن منذ يناير/ كانون الثاني؛ لتعمد إدارته إلى التعنت معه والتضييق عليه، ولمّا أُهمل طلبه ذهب لمقابلة مدير السجن، أو حتى ضابط المباحث المختص، فرفضا رؤيته بالمخالفة للقانون، فأصرّ على حقه القانوني في تحرير محضر بالمخالفة، وكان أن تعدّى ضابط وعدة جنود، في فعل غير آدمي، بالدفع لأبو الفتوح، لإجباره على العودة إلى زنزانته، ففاجأت المناضل أزمة قلبية كادت أن تودي بحياته.
وفي محبسه وقبل الحكم عليه، عانى أبو الفتوح من الاتهامات الباطلة بالتحريض على العنف والإرهاب ضمن الاتهامات الباطلة الموجهة إلى جماعة الإخوان المسلمين. وفي شهر رمضان الماضي، وبرعاية النظام الحاكم وتنفيذه، أُذيع أكثر من تسريب له أو يخصه في الحلقات 3، 13، 14، في مسلسل "الاختيار". وكان الأول في 4 من إبريل/ نيسان الماضي، ظهر فيه الرجل محدثًا قيادة في الجيش، محذرًا من حكم "الإخوان" قبيل انتخابات 2012 الرئاسية، وهو ما لم ينفه طرفا التسريب، بل تقدّم محامي أبو الفتوح، الحقوقي خالد علي، بطلب لإبطال اتهام موكله بالانتماء للإخوان، وما يترتب عليه، حتى بعد حجز المحكمة السابق القضية للحكم في 13 من مارس/ آذار الماضي، وذلك في 27 من إبريل/ نيسان التالي. وقد كرّر السيسي بنفسه القسم على أن ما جرت إذاعته في المسلسل حدث فعليًا، فكيف يتسق ذلك مع "إثباتات" المستشار النائب العام حمادة الصاوي، التي بناء عليها جاء الحكم بحبس أبو الفتوح 15 عامًا حبسًا مشدّدًا، إثر "قيام قيادات التنظيم الدولي للإخوان، الهاربين خارج البلاد، بالتواصل والاتفاق في ما بينهم على تصعيد وتيرة أنشطتهم الإرهابية والتخريبية تجاه الدولة ومؤسساتها، قاصدين من ذلك إشاعة الفوضى ابتغاء الاستيلاء على السلطة، وتكليف القيادي عبد المنعم أبو الفتوح بمهمة تنفيذ المخطط الإرهابي، مستغلا في ذلك غطائه الشرعي كرئيس لحزب مصر القوية"!
أزمة أبو الفتوح تكمن مع السيسي بصورة شخصية، إذ يستهدفه ضمن مخططه الرهيب للتخلص من كل الذين يعتقد أنهم ينافسونه
صودرت أموال أبو الفتوح وصدر الحكم القاسي عليه، الذي إن نُفِذَ سيعني أنه لن يخرج للحياة بدون قيد بعد بلوغه الثمانين. ويجب الانتباه إلى أن أزمة أبو الفتوح تكمن مع السيسي بصورة شخصية، إذ يستهدفه ضمن مخططه الرهيب للتخلص من كل الذين يعتقد أنهم ينافسونه، فإما يحرق أوراقهم باستخدامهم خارج السجون لإقرار قبضته، واستمرار حكمه البلاد، مثل رفيق درب وكفاح أبو الفتوح، المرشّح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي، وهو ما رفض أبو الفتوح فعله في انتخابات 2018، لمّا عرض عليه النظام الترشح ضد السيسي صوريًا، وبذلك كتب السيسي شهادة عدم إمكانية ترشّح صباحي ضده. أما الرئيس محمد مرسي فجرى إنهاء حياته في السجن على نحو مريب في يوليو/ تموز 2017، ومع تحديد إقامة الفريق أحمد شفيق في بيته، يكون السيسي قد أجهز على المرشحين الثلاثة الكبار في انتخابات يونيو/ حزيران 2012، بمنْ فيهم الرئيس مرسي وتاليه شفيق والثالث صباحي، وبقي أبو الفتوح عصيًا على العصف به، لما سيفتحه من ملف وفاة مرسي نفسه، وأيضًا يستحيل احتواؤه لتاريخ نضاله وكفاحه ومصداقية مواقفه مع أفعاله. أنجى الله أبو الفتوح وجميع مخلصي مصر.