علي دوبا والمواطن السويدي
لا يوجد لدي، أنا محسوبُكم، شيء شخصي ضد العماد علي دوبا الذي مات قبل أيام، بمعنى أنني لم أكن واحداً من ضحاياه الكثيرين، فالرجل عمل، بين عامي 1970 و2000، على تنفيذ هدفٍ واحد، يتلخص في الدفاع عن نظام حافظ الأسد، والبطش بمعارضيه. ومع أنه خاصَمَ رفعت الأسد، في أثناء صراعه مع شقيقه على السلطة، إلا أنه كان أميناً للمبدأ الذي أعلنه رفعت في المؤتمر السابع لحزب البعث، ديسمبر/ كانون الأول 1979، حين قال: ستالين، أيها الرفاق، أنهى حياةَ عشرةِ ملايين إنسان في سبيل الثورة الشيوعية، واضعاً في حسبانه أمراً واحداً، هو التعصّب للحزب ولنظرية الحزب، فالأمم التي تريد أن تعيش، وتبقى، تحتاج إلى رجلٍ متعصّب، وحزب، ونظرية متعصّبة.
قَرَنَ رفعت ما قاله، يومئذ، بالأفعال، فقد نُسبت إليه معظم أعمال العنف، والمجازر التي مورست على الشعب السوري منذ تسلم حافظ السلطة وحتى سنة 1984، ولم يكن علي دوبا، رئيس شعبة الأمن العسكري، بعيداً عنها، وبقي اسمُه يرعب السوريين بمختلف طبقاتهم وفئاتهم حتى 1999، عندما أحاله بشّار الأسد إلى المعاش، لأنه، كما قال محللون، كان يجد فيه الرجل الأقوى بين رجال والده، فخشي أن تُراوده نفسُه بمنافسته على السلطة عندما يحين وقت التوريث.
نأتي، الآن، إلى الجانب الطريف المتعلق بوفاته، وهو ما جاء في ورقة نعوته، أنه عاش 89 سنة، أمضاها في الصلاح والتقوى. الغريب أن هذه العبارة لم تثر استغراب السوريين، إلا ضمن نطاق محدود، لأنها ما انفكّت ترد في نعوات أمثاله من المجرمين، منذ زمن طويل، حتى خيّل للناس أنّ هناك كليشيه معمّمة على المطابع السورية، تنصّ على إضافة عبارة "الصلاح والتقوى" في نعي أي مجرم يكتبون نعيه، فإذا رأيتَ ورقة نعي لا تحمل هاتين الكلمتين فاعلم أنّ المتوفى إنسانٌ فاضل!
ولم يقتصر مفهوم الصلاح والتقوى على نعي الأموات، فقبل بضع سنوات وقع السوريون في دوّامة تسجيلات فيديو كان يظهر فيها الرفيق رامي مخلوف، الذي كان مكلفاً بسرقة أموال الشعب السوري لمصلحة عائلة الأسد، لاوياً عنقه مثل الدراويش، يتحدّث بصوتٍ أغنّ، واهن، عن عمره الذي أفناه في تقوى الله، وأعمال البرّ، والإحسان، وإغاثة الملهوفين، وكيف قابله الآخرون بالنكران والصدّ والهجر، حتى قيل، يومئذ، إن النخوة العروبية ضربت رؤوس بعض المواطنين السوريين، وخطر لهم أن يعملوا "جَمعية" من رواتبهم الشهرية الهزيلة، ويجمعوا بعض المال ويُرسلوه إلى ذلك المسكين، الذي كان عزيز قومٍ وذُلّ.
لا يدري أحدٌ إن كانت حالة الصلاح والتقوى والدروشة، التي تحلّ على مجرمي نظام الأسد في أواخر حيواتهم، مقتصرةً على بعض الأشخاص، أم أنها ظاهرةٌ عامة، فرفعت الأسد نفسه، الذي سُجلت على اسمه مجزرة سجن تدمر، وإبادة عدة أحياء في مدينة حماه 1982، أصيب، منذ سنوات، بمرض لا يمكن تسميته فقدان الذاكرة، إنما هو نوعٌ من الاستبدال، كما في نكتةٍ تحكي عن ثلاثة أشخاص سئلوا: ما رأيك بانقطاع الكهرباء؟ فقال الأول: ماذا يعني انقطاع؟ وقال الثاني: ماذا يعني كهرباء؟ وقال الثالث: ماذا يعني رأي؟ من هنا، نفهم كيف أجاب رفعت على سؤالٍ يتعلق بمجزرة حماه، فقال: أنا أعرف أن حماه مدينة سورية، ولكنني، خلال وجودي في سورية لم تسنح لي فرصة لزيارتها، مع الأسف.
حدّثني صديق سوري يقيم في السويد، قال إنّ المواطن السويدي إذا قرأ نعي علي دوبا، وفيه أنّ الجنازة ستشيع من أمام منزله، يتخيّل منزله مؤلفاً من شقة مساحتها مائة متر Maximum، وأما الحقيقة، فإن الذاهب من جبلة إلى بانياس، تلوح له تلة عليها قصر منيف، يظلّ يراه حتى قبل خمسة كيلومترات من بانياس، ووقتها تمشي السيارة بمحاذاته حتى ينتهي الطريق!