25 اغسطس 2024
عن أحمد فؤاد نجم
يلح عليَّ، منذ زمن طويل، السؤال: من أي كوكبٍ جاء الشاعر أحمد فؤاد نجم؟ وإذا كان رجلاً كواكبياً؛ لماذا نزل على أرض مصر، وليس على أرضٍ أخرى؟ ويأتيني الجواب بأنه لو كان في دولةٍ ذات نظام فاشستي، كعراق صدام حسين، أو سورية حافظ الأسد، مثلاً، لكانوا حلّوا مشكلته بدقيقتين. يُخفونه من الوجود؛ يُميتونه تحت التعذيب، أو يُذيبونه بالأسيد، فلا يستطيع، بالتالي، أن يتابع مسيرته الأدبية والفنية والنضالية، ليصبح ذلك العَلَمَ الوطني الكبير، ويتحوّل إلى تلك الظاهرة التي تستحق الدراسة والتأمل.
سُجن أحمد فؤاد نجم، خلال حياته التي امتدت حتى سن الـ 84، حوالي 12 مرة، ومجموع المدة التي أمضاها في السجون 18 سنة. ذات مرة، أتاه إخلاء سبيل وهو في سجن شبين الكوم، فوقف أمام باب الزنزانة و(صار يعيَّط). لماذا؟ لأن السجون في مصر مخصّصة للفقراء، والناس الذين كان يلتقيهم خارج السجن، كان يلتقيهم داخله، وها هو ذا يوشك على الابتعاد عنهم فـ يعيط. وكان قد سجن، في شبابه، ثلاث سنوات، لإقدامه على تزوير ورقة، زوّرها ليحصل على 15 جنيها، ليتزوج البنت القَهْوَجية التي يحبها وتحبه.
كان السؤال الذي وجهته إليه الإعلامية وفاء الكيلاني في برنامج "ضد التيار" بالغ الإثارة، وهو أن السجن مكان للتوبة والإصلاح، فلماذا لم تتبْ؟ قال: "لأن هُمَّ ما بَطَّلُوش وساخة". هذا هو لب المسألة، فالأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر كانت متشابهة من حيث منهج الحكم، واستمرار الحاكم نفسه في الحكم إلى حين موتٍ أو اغتيال. "هُمَّ ما بطلوش وساخة"، وهذا الرجل الذي وقف في صف الشعب "ما بَطَّلْشِ" هجاء لهم، فكانوا يسجنونه بتهمة الجهر بالصياح، وتكدير الأمن العام، إلى أقصى ما يتيح لهم القانون سجنه. قال بسخريته العجيبة: وكأن "الأمن العام كان بيضحك وأنا كدّرته".
الأنظمة التي تنتج الوساخة لديها مقدرة استثنائية على العَبَث، والمسخرة، والتناقضات. فـنجم هجا جمال عبد الناصر بثلاث قصائد هي: شُقَعْ بُقَعْ، ويا دين الفارْ عصابة والاسم ضباط أحرارْ، وناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطّاحة، وبعدما مات عبد الناصر رثاه. ليه تعمل كده يا عم نجم؟ فيرد، ملخصاً، بِرَدِّهِ، حالَ أهل هذه البلاد كلهم: بعدما مات عبد الناصر شوفي حال الدول العربية، كل واحد يسمّي نفسه "أمير القومية العربية" بينما حال شعبه وبلاده، بعيد عنك، يصعب على الكافر.
دعوتُ على عمروٍ فمات، فسّرني/ فعاشرتُ أقواماً بكيتُ على عمروِ
عن لقائه بالشيخ إمام يقول: "ذهبت إليه في البيت، كان منعزلاً. طلبت منه يسمَّعْني، قام مساعدُه وأنزل العود، فانطلقت الغبار. وقعد يدوزن، واستغرق وقتاً طويلاً في الدوزنة. وأنا طلبت منه أغاني من ألحان زكريا أحمد. وغنّاها، ولما كان يعيد لاحظت أنه يعيدها بطريقة أخرى، فقلت له: ما بتلحنش ليه؟ ده أنت بتقول المقاطع اللي بتغنيها بألحان وكأنها من تأليفك".
وهكذا دخل مع إمام في واحدٍ من الثنائيات العظيمة في تاريخ مصر (والعرب) الحديث.
سُجن أحمد فؤاد نجم، خلال حياته التي امتدت حتى سن الـ 84، حوالي 12 مرة، ومجموع المدة التي أمضاها في السجون 18 سنة. ذات مرة، أتاه إخلاء سبيل وهو في سجن شبين الكوم، فوقف أمام باب الزنزانة و(صار يعيَّط). لماذا؟ لأن السجون في مصر مخصّصة للفقراء، والناس الذين كان يلتقيهم خارج السجن، كان يلتقيهم داخله، وها هو ذا يوشك على الابتعاد عنهم فـ يعيط. وكان قد سجن، في شبابه، ثلاث سنوات، لإقدامه على تزوير ورقة، زوّرها ليحصل على 15 جنيها، ليتزوج البنت القَهْوَجية التي يحبها وتحبه.
كان السؤال الذي وجهته إليه الإعلامية وفاء الكيلاني في برنامج "ضد التيار" بالغ الإثارة، وهو أن السجن مكان للتوبة والإصلاح، فلماذا لم تتبْ؟ قال: "لأن هُمَّ ما بَطَّلُوش وساخة". هذا هو لب المسألة، فالأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر كانت متشابهة من حيث منهج الحكم، واستمرار الحاكم نفسه في الحكم إلى حين موتٍ أو اغتيال. "هُمَّ ما بطلوش وساخة"، وهذا الرجل الذي وقف في صف الشعب "ما بَطَّلْشِ" هجاء لهم، فكانوا يسجنونه بتهمة الجهر بالصياح، وتكدير الأمن العام، إلى أقصى ما يتيح لهم القانون سجنه. قال بسخريته العجيبة: وكأن "الأمن العام كان بيضحك وأنا كدّرته".
الأنظمة التي تنتج الوساخة لديها مقدرة استثنائية على العَبَث، والمسخرة، والتناقضات. فـنجم هجا جمال عبد الناصر بثلاث قصائد هي: شُقَعْ بُقَعْ، ويا دين الفارْ عصابة والاسم ضباط أحرارْ، وناح النواح والنواحة على بقرة حاحا النطّاحة، وبعدما مات عبد الناصر رثاه. ليه تعمل كده يا عم نجم؟ فيرد، ملخصاً، بِرَدِّهِ، حالَ أهل هذه البلاد كلهم: بعدما مات عبد الناصر شوفي حال الدول العربية، كل واحد يسمّي نفسه "أمير القومية العربية" بينما حال شعبه وبلاده، بعيد عنك، يصعب على الكافر.
دعوتُ على عمروٍ فمات، فسّرني/ فعاشرتُ أقواماً بكيتُ على عمروِ
عن لقائه بالشيخ إمام يقول: "ذهبت إليه في البيت، كان منعزلاً. طلبت منه يسمَّعْني، قام مساعدُه وأنزل العود، فانطلقت الغبار. وقعد يدوزن، واستغرق وقتاً طويلاً في الدوزنة. وأنا طلبت منه أغاني من ألحان زكريا أحمد. وغنّاها، ولما كان يعيد لاحظت أنه يعيدها بطريقة أخرى، فقلت له: ما بتلحنش ليه؟ ده أنت بتقول المقاطع اللي بتغنيها بألحان وكأنها من تأليفك".
وهكذا دخل مع إمام في واحدٍ من الثنائيات العظيمة في تاريخ مصر (والعرب) الحديث.