عن الصبا والجمال
لاحظ متابعو مواقع التواصل الاجتماعي إصرار النجمة هيفاء وهبي، في الآونة الأخيرة، على نشر صورها بكثافة، علّ جمهورها ينسى صورة غير موفقة فنياً، نشرت لها في الرياض، ظهرت فيها خمسينية متعبة، موجهة اللوم إلى الإضاءة السيئة التي ظلمتها، وفي كلّ مرة تنشر صورة جديدة لها، تنهال تعليقات الكارهين الشامتين، فيطلقون عليها صفات من عيار حيزبون، تيته، عجوز متصابية، وغيرها من تعليقاتٍ تطعنها في جمالها، وتدينها في تقدّم عمرها، باعتبار ذلك مذلة وسبّة، بل يعيدون نشر صورة الرياض نكاية بها. فيما ينبري المعجبون إلى نفي تلك الصفات، مؤكّدين أنّ نجمتهم المحبوبة ما زالت ست الصبايا، وأنها رمز للجمال والأنوثة، وأنها جميلة وفتيّة، بمعزلٍ عن دورة الزمن التي استثنتها من أثرها الحتمي علينا جميعاً.
من السهل فهم دوافع هيفاء وأسبابها في التمسّك بوهم الصبا، لأن مهنتها في عالم الاستعراض قائمة على مظهرها حصراً، إضافة إلى جو التنافس الشديد الذي يميّز ذلك العالم غير الوفي، المستعد للتخلّي بسهولة عن النجوم لمجرد تقدّمهم في السن. أما غير المفهوم أبداً فهو ذلك النموذج السطحي من النساء اللواتي يعتبرن جمالهن رأسمالهن الوحيد، والسلاح والوسيلة، بل والهوية في أحيان كثيرة، غافلاتٍ عن حقيقة أنّ الصبا والجمال مجرّد مرحلة عابرة في الحياة، وهما آيلان إلى زوال. ومن المستغرب جداً أن تتباهى أي امرأةٍ بصفاتها الجمالية، وكأنّ هذه الصفات إنجاز شخصي يُحسب لها، وليست مجرّد مصادفة بيولوجية جعلتها ترث صفات أسلافها ليس أكثر.
هذا النمط السطحي الفارغ الاستهلاكي، اللاهث وراء صيحات الموضة، المنهمك في تحسين شكله، المهووس بملاحقة خطوط الزمن وهي تحفر آثارها في الخلايا بلا هوادة، خائضاً معركته الخاسرة بالضرورة في مواجهة الزمن، هذه النوعية البائسة من النساء هي المبرّر لظاهرة الاستخفاف والاستعلاء الذي يمارسه المجتمع ضد المرأة، فينمّطها ويشيّئها ويحطّ من شأنها. ليس المقترح هنا أن تهمل المرأة مظهرها، فالاعتناء بالذات والحرص على الظهور بشكل أنيق جميل لائق سلوك حضاري ينطوي على احترام الذات واحترام الآخرين. وينطبق على الرجل أيضاً على ألّا يكون ذلك على حساب الشغل الحقيقي على الجوهر، من خلال تعميق الثقافة وتعدّد الاهتمامات وتنوّعها. وليس سرّاً أنّ معاناة المرأة في مجتمعاتنا المتخلفة كبيرة. ورغم إنجازاتها الكثيرة في حقول العلم والمعرفة والثقافة والفنون، إلّا أن عليها بذل جهود مضاعفة على الدوام، كي تثبت نفسها وتفرض احترامها ووجودها في بيئةٍ معاديةٍ تنظر إليها بريبة، وتفضّل، رغم ادّعاء التدين والمحافظة، إبراز نموذج النساء التافهات المشغولات بالاحتفاظ بشبابهن وجمالهن، لأنّ هذا النموذج المؤسف يؤكّد النظرة السلبية التي يتبنّاها العقل الجمعي إلى المرأة، باعتبارها شكلاً جميلاً ليس مطلوباً منه أن يفكّر أو يساهم في نهضة مجتمعه. وفي هذا ظلم كبير للنساء الحقيقيات الجادّات المثقفات اللواتي يجدن أنفسهن في حالة مستمرّة من الدفاع والتبرير والشرح، مثل النساء المتميّزات الناضجات غير المعنيات كثيراً بزوال الصبا والجمال، فمخزونهن المعرفي يجنّبهن الانزلاق في مطبّ الانشغال بتوافه الأمور، مع ضرورة التأكيد على أن لا تعارض بين الجمال والذكاء، كما يعتقد بعضهم ممن يتهمون النساء المثقفات بالقبح والاسترجال، فالشواهد كثيرة عبر التاريخ على نساءٍ تمتّعن بالجمال والذكاء والثقافة العالية والجدّية من دون ابتذال أو إسفاف. وهذا بالضبط ما ينبغي أن نكرّسه في وعي بناتنا الصغيرات، كي ينشأن على احترام أنوثتهن باعتبارها امتيازاً وقيمة إنسانية، وليست مادة للعرض والاستعراض.