عودة اللاجئين السوريين
لو كان في مقدور جهةٍ ما، أن تحصي عدد المرّات التي يتساءل فيها السوريون المنتشرون في أصقاع العالم (ما الحلّ؟)، لحصلنا على رقم كبير جداً. الغريب في الأمر أن كل سوري، مهما كان ذكاؤه عالياً، أو متوسّطاً، أو محدوداً، يجيب على هذا السؤال الرهيب ببساطة متناهية، ويقدّم لمن يسأله الشروحات التوضيحية لرأيه الذي لا يعرف أحدٌ كيف كونه.. ولكننا؛ وعلى الرغم من هذا الذكاء الجماعي الخارق، لم نصل إلى حلٍّ ينقذ بلادنا المنكوبة مما هي فيه. لماذا؟ لأن حديث معظم السوريين عن الحلّ لا يعدو كونه نوعاً من الكلام الذي يسمّيه أهلنا "طَقّ حَنَك"، والدليل أنهم لا يعملون على إيجاد مبادرة جدّية لحلٍّ شامل، أو حلٍّ جزئي، ويرفضون، في الوقت نفسه، المبادرات التي تُعرض عليهم، وبعناد شديد.
في مطلع العام 2024، قدّمتُ، أنا أخوكم، مبادرة لإعادة اللاجئين السوريين الموجودين في دول الجوار، الأردن ولبنان والحدود التركية، إلى ديارهم، وأوضحتُ أن اللاجئين الموجودين في أميركا وكندا والدول الأوروبية غير مشمولين بهذا الأمر، لأنهم يعيشون في تلك البلاد عيشة ما كانوا يحلمون بربعها في سورية، بمعنى أنهم لا يشكّلون للضمير السوري هَمّاً، ولا هاجساً. أما أهل المخيمات، فيقرضهم زمهرير الشتاء، وتجري مياه الأمطار من تحتهم، وتقتلع الرياح العاتية خيامهم، ويعيش أبناؤهم الذين خلفوا بعضهم ضمن هذا الوضع الكارثي نفسه، بلا تعليم، أو فرص عمل، وبعض نسائهم، وبسبب هذه الأوضاع، يتسولن بعض الدولارات من خلال تطبيق تيك توك، إضافة إلى ما يعانيه اللاجئون في تلك الدول من نظرات أهل البلاد الأصليين، وتذمّرهم، والتهديد، بين حينٍ وآخر، بالترحيل.
أوضحتُ، بتواضع، أن الشرط الأساسي في موضوع اللاجئين، أن نعتبر قضيّتهم إنسانية، وليست سياسية، فمعظمهم لم يشاركوا في الثورة، ولم يقفوا مع النظام، يعني أنهم ذهبوا بين أطراف الصراع السوري المرير، "فَرْق عملة".. لذا يجدُر بالمكوّنات السورية المتناحرة نفسها، أن تتّحد لحل مشكلتهم.. وواقعُ الحال أن قسماً كبيراً من اللاجئين ما زالت بيوتهم في سورية مقفلة، وصالحة للسكن، ولكن؛ لا يجرُؤ أيٌّ منهم على العودة، لأنه سيجد في انتظاره دورية أمنية تأخذه، وتنكّل به، وتجعله عبرة لكل مَن تسوّل له نفسه بأن يعود. ولذلك اقترحتُ أن يُسوّى وضع اللاجئ أمنياً، قبل أن يأتي، فلا يتعرّض لأي نوع من الإهانات المخابراتية. واقترحتُ إقامة ثلاث مدن لاستقبال اللاجئين الذين دُمّرت منازلهم خلال الحرب، عند الحدود الأردنية، واللبنانية، والتركية، على غرار مدينة العمّال في الرميلان، ومدينة الثورة، والمحطّة الحرارية، ومساكن عدرا، وأن تقام فيها مناطق تسوق حرّة، وأماكن ترفيه.. وإحداث صندوق مالي، وحساب بنكي يستقبل التبرعات. وهنا أشير إلى تجربة قام بها فنانون سوريون بعد حرب 1967، عندما أحدثوا "مقهى الفنانين" في معرض دمشق الدولي، لدعم المجهود الحربي، فكان الناس يأتون لمشاهدة نجوم الدراما عن قرب، ويدفع واحدُهم ثمن فنجان القهوة مبلغاً رمزياً، ولم يكن لدينا، يومئذ، سوى فنانين نجوم قليلين. أما اليوم فيمكن أن يلتقي نجوم الدراما في عواصم الخليج التي تهتم بالترفيه، ويقدّموا فقرات غنائية، أو تمثيلية، أو قفشات كوميدية، وتخصّص إيراداتها للصندوق.
ذهب بي هذا التفكير بصوت مسموع إلى أن القوة الناعمة في المجتمع السوري، من فنانين وأدباء ومثقفين ومفكرين، يمكن أن يقودوا هذه العملية الإنسانية (العظيمة)، من دون التمييز بين مؤيد ومعارض وحيادي، فيُصدرون بياناتٍ يخاطبون فيها الرأي العام، ويمكن أن تلعب نقابة المهندسين دوراً كبيراً في تصميم مساكن المدن المقترح إنشاؤها، أو في إعادة إعمار البنايات المهدّمة.. هناك عشرات الأفكار التي يمكن أن تولد من رحم الفكرة الأساسية التي تبدو مستحيلة، ولكن إذا بدأ بتنفيذها، ونجحت، تصبح ممكنة.