عيد الأم السورية
لا بد من الاعتراف، بدايةً، بأنّ شريحةً لا بأس بها من الرجال السوريين يحبّون أمهاتهم، بالفعل، ويعتنون بهن. وفي عيد الأم، المصادف في 21 آذار / مارس، يقبّلون أيديهن، ويقدمون لهن الهدايا على خلفية أغنية "ست الحبايب" التي كتبها حسين السيد، ولحّنها محمد عبد الوهاب، وغنتها فايزة أحمد، سنة 1957.. أعرفُ امرأة لها بضعة أبناء، كان أصغرُهم سناً أكثرَهم برّاً بها، آواها، وأطعمها، وطبّبها، ونزهها. وحينما فقدت ملكاتها العقلية، وصارت تغادر الدار وتتيه في أزقّة البلدة، ربط خيطاً بين سريرها ويده، حتى إذا استيقظت، وتحرّكت، يوقظه الخيط، فيقف، ويتأهّب لخدمتها، والحيلولة دون خروجها.
الأمثلة على برّ الوالدة كثيرة، ولكنها تدخل في باب الاستثناء. وأما السائد المستقر، فالمجتمع ذكوري، والأسرة ذات تراتبية هرمية، يمتلك فيها الأب القسم الأكبر من السلطات، وإذا لاحظتَ، في بعض الحالات، وجودَ بعض الصلاحيات بيد الأم، فاعلم أن الأب تنازَل عنها طوعاً، والطفل، هو الآخر، مستضعَف، إن كان ذكراً تراعى ذكوريّته، ويُعامَلُ بزجرٍ أقل، بينما اضطهاد الطفلة الأنثى مضاعف.
ثمّة أمثلة على هذه التناقضات المجتمعية، أولها أن رجلاً كان يبالغ في حبّ أمه، حتى إنه يبوس قدميْها، ولكي يربّي أولاده على حبّ الأم، كان يسهب في توضيح فضائلها على مسامعهم... وذات يوم؛ حصل خلافٌ بين الاثنتين، فزجر زوجته، وأهانها، وهو يردّد: الأمّ خطٌّ أحمر، وتمادى في ذلك، حتى نبهه أحدُ أبنائه إلى أن زوجته، هي الأخرى، أمّ!
ومن الأمور الأكثر غرابة في مجتمعنا، أنه لا يوجد أي نوع من التضامن، أو التعاطف بين المرأة المضطهَدة وبنات جنسها، بل العكس، ثمّة عداء أزلي بين الأم (الحماة)، وزوجة الابن (الكنة)، وعندما يَفتح الناسُ هذه السيرة في مجالسهم يستغرق منهم الحديث وقتاً طويلاً، وتكثر الأمثلة وتتزاحم. وفي الأزمان السابقة، كان اغتيابُ الكنائن يبلغ الذروة في أثناء خبيز الحموات على التنّور، فبينما تكون أيديهن مشغولة بالعجن، والرقّ، واللصق، والقلع، لا تتوقّف ألسنتهن عن هجاء كنائنهن، فتقول الأولى: أنا التي أستأهل كل اللوم، فقد اخترتُها له بنفسي. لماذا؟ لأن عقلي كان يومئذ صغيراً، حاشاكن، فصدّقت أنها عاقلة، ومطيعة، ومرباية، وقليلة حكي. ولكنها، بدلاً من أن تعبّر لي عن امتنانها، طلعت لي "حيّة برأسين"، وابني؛ الله تعالى يخلي لكن أولادكن، أيش أحكي عنه؟ في أيام العزوبية كان عصبياً، نزقاً، سريع الغضب، إذا سمعني أدقّ الكمّون بالهاون، يفتح عليّ "جاعوره"، ولا أعود أعرف كيف أسكِته، ولكنه، بعدما تزوّج هذه الحرباية، صار بين يديها ألين من هذه العجينة، يكون نائماً، وهي لا تتوقف عن القرقعة والصياح، فإذا قلتُ له إن امرأتك تصدر الضجيج، يقول لي: طيّب يا أمي، إنها تعمل وترتب البيت، وهذا طبيعي!. والسيدة الأخرى توافق على كلام السيدة الأولى، وتضيف: كنّتي لا تقلّ وقاحة وسفاهة عن كنتك، ولكنني لا ألومها، لأنني كنت أظن ابني سيكون مثل المرحوم أبيه، الذي كان يضربني قبل أن يحكي، وإذا به مثل شباب اليوم، لا يعرف كيف يساير امرأته، وينفذ أوامرها.
السيدات الصغيرات، الكنائن، لسنَ أحسن حالاً، فقد شاع بينهن نوعٌ آخر من التشاحن، وهو ما عرف بـ "مهاترات السلايف"، بمعنى أن الواحدة منهن تعادي سلفتها، أي زوجة شقيق زوجها، ومنه جاء المثل الشعبي الشهير "دَقُّ القرفة، ولا صباح السلفة"، أضف إلى ذلك أنها تبحث عن نقطة ضعف، أو تساهل، في شخصية زوجها، فإن وجدتها سرعان ما تحاول الكيد لحماتها.
وهناك ظاهرة ترافقت مع اتساع رقعة وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أن بعض النسوة، إذا صادفهنَّ رجلٌ يدافع عن حقوق المرأة، يزجُرنه، ويهاجمنه، وكثيراً ما ينلن من شخصه، من دون مقارعته بالحجّة، لأنهن لا يمتلكن أية حجّة أصلاً.