25 اغسطس 2024
عَلمانيون عملاء آبقون عراعرة
مرة أخرى، أكتبُ عن مسرحية "رؤوس الآخرين" التي أبدعها الأديبُ الفرنسي مارسيل إيمي، وترجمها إلى العربية أستاذنا حسيب كيالي، وصدرت سنة 1991 عن دار الحوار التي يديرها الأديب نبيل سليمان. الفكرة الأساسية للمسرحية: إذا كان الرأسُ الذي سيُقْطَعُ هو رأسُ غيرك فَلْيُقْطَعْ.
لا يجوز لنا أن نتذكّر هذه المسرحية في كل يوم فقط، بل في كل ساعة، وكل دقيقة، فقَطْعُ رؤوس الآخرين، بشقيه المادي والمعنوي، يجري في بلادنا على قدمٍ وساق، وعلى مختلف المستويات.. جماعةُ النظام، مثلاً، كانوا، خلال حربهم على الشعب السوري، يقصفُون منطقةً مأهولة بالسكان، مستخدمين الطائرات والمدافع والدبابات وراجمات الصواريخ والأسلحة البالستية و"الكيماوي"، غير آبهين بالأجساد البشرية الحية التي ستشويها قذائفُهم.. فإذا عُقِدَ لهم لواء النصر عليها، يبدأ خط هجومهم الثاني بالعمل، فيدخلُها شبيحتُهم دخول الفاتحين، ويجمعون شبانها في إحدى ساحاتها، ويقتلونهم، إما رمياً بالرصاص، أو يقطعون رؤوسهم بالسكاكين، وبمجرد ما ينتهون من هذه الأعمال الروتينية المملة، يذهبون إلى أحد الملاهي، ليكملوا سهرتهم بالغناء والرقص وتناول الأطعمة والمشروبات الكحولية، والاستمتاع بالنساء، فالاحتفال بالنصر على هؤلاء "الآخرين"، وجز رؤوسهم، لا يجوز أن يمرّ مرور الكرام.
يعمل خط الهجوم الثالث الخاص بنظام الأسد، الذي يقوده "النَبّيحة"، على مبدأ تثبيت أكتاف "الآخرين"، وإنهائهم بالضربة القاضية، لذلك تراهم يبحثون عن أخطاء معارضيهم بالفتيل والسراج، ويضعونها تحت المجهر، ويُكَبِّرُونها عسى أن تغطي بظلالها على جرائمهم التي لا تعد ولا تحصى، وكثيراً ما فبركوا قصصاً وحكاياتٍ وصوراً لمعارض يظهرونه فيها مشبوهاً مرتبطاً بأجندات خارجية، وأنه يقبض من أحد، ويوزع أموالاً، ويُسلح، ويتآمر، فإذا أعياهم إيجاد تهمة سياسية دامغة يلصقونها بمعارض آخر فإنهم يتدبرون له أمر فضيحة أخلاقية، وحتى العلاقات الغرامية الإنسانية الطبيعية لا يتورعون عن استخدامها في سبيل قطع رأس شخص معارض ما.
من تجربتي الشخصية، قبل ثلاثة أعوام تقريباً، أنني كنت ضيفاً على إحدى الفضائيات، أحاول الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها عليّ مقدم البرنامج بما أمكن من الصدق والموضوعية، وحينما تطرقتُ إلى مجزرةٍ فظيعةٍ ارتكبها النظام في ذلك الوقت، وتناقلت صورها وسائل الإعلام العالمية، انبرى أحد ضيوف الحلقة، وهو من فريق "النَبّيحة"، يقول لمقدم البرنامج إنه لا يحق لضيفك من إسطنبول (إيايَ يعني) التحدثَ عن هذه المجازر، باعتباره واحداً من "آكلي الأكباد"!
لم أرَ ذلك الفيديو الذي نُسِبَ لرجل يُدعى أبو صقار، وفيه، كما يقال، يأكل كبداً لقتيل من جيش النظام، ولكنني سأفترض أنه صحيح، ومدان بالطبع، وأضيف عليه إن هناك أشخاصاً مسلحين محسوبين على الثورة والمعارضة ارتكبوا جرائم تقشعر لهولها الأبدان، ليس في مواجهة النظام، بل في مواجهة الشعب الثائر نفسه، فداعش قَتَلت، وحرقت، وجلدت، وقطعت رؤوساً، وألقت رجالاً أحياء من أماكن شاهقة، وجبهة النصرة ارتكبت، في أماكن سيطرتها، جرائم منكرة، وكذلك الحال مع "جند الأقصى" و"حراس الدين" و"جيش الإسلام"، كلهم قَتَلوا وخطفوا وغيبوا وجلدوا واعتقلوا.. ولكن الذي يحق له أن يستنكر هذه الجرائم هو نحن، أمثالي وأنا، وقد استنكرناها في حينها، وما نزال، وأما مَن دَمَّرَ سورية وقتل نصف مليون من شعبها وهَجَّرَ بضعة ملايين، فالمفروض به أن يبقى في موقع المجرم الذي ينتظر حكم العدالة عليه.
الثورة السلمية التي انفجرت في وجه نظام الحكم الوراثي المافيوزي الأسدي، والقمع الهائل الذي ووجهت به، أدخلت بلادنا في حالةٍ من الفوضى وانعدام الأخلاق وفساد الضمائر، ليس فقط عند النظام الفاسد أصلاً، بل وفي صفوف الثوار والمعارضين، فواحدٌ يُتَّهَمُ بالتعامل مع النظام، والثاني يقال عنه عرعوري، والثالث عَلماني كلب، والرابع آبق، والخامس عميلٌ للأميركان، والسادس لتركيا، والسابع لإسرائيل.. وهكذا دواليك.
يعمل خط الهجوم الثالث الخاص بنظام الأسد، الذي يقوده "النَبّيحة"، على مبدأ تثبيت أكتاف "الآخرين"، وإنهائهم بالضربة القاضية، لذلك تراهم يبحثون عن أخطاء معارضيهم بالفتيل والسراج، ويضعونها تحت المجهر، ويُكَبِّرُونها عسى أن تغطي بظلالها على جرائمهم التي لا تعد ولا تحصى، وكثيراً ما فبركوا قصصاً وحكاياتٍ وصوراً لمعارض يظهرونه فيها مشبوهاً مرتبطاً بأجندات خارجية، وأنه يقبض من أحد، ويوزع أموالاً، ويُسلح، ويتآمر، فإذا أعياهم إيجاد تهمة سياسية دامغة يلصقونها بمعارض آخر فإنهم يتدبرون له أمر فضيحة أخلاقية، وحتى العلاقات الغرامية الإنسانية الطبيعية لا يتورعون عن استخدامها في سبيل قطع رأس شخص معارض ما.
من تجربتي الشخصية، قبل ثلاثة أعوام تقريباً، أنني كنت ضيفاً على إحدى الفضائيات، أحاول الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها عليّ مقدم البرنامج بما أمكن من الصدق والموضوعية، وحينما تطرقتُ إلى مجزرةٍ فظيعةٍ ارتكبها النظام في ذلك الوقت، وتناقلت صورها وسائل الإعلام العالمية، انبرى أحد ضيوف الحلقة، وهو من فريق "النَبّيحة"، يقول لمقدم البرنامج إنه لا يحق لضيفك من إسطنبول (إيايَ يعني) التحدثَ عن هذه المجازر، باعتباره واحداً من "آكلي الأكباد"!
لم أرَ ذلك الفيديو الذي نُسِبَ لرجل يُدعى أبو صقار، وفيه، كما يقال، يأكل كبداً لقتيل من جيش النظام، ولكنني سأفترض أنه صحيح، ومدان بالطبع، وأضيف عليه إن هناك أشخاصاً مسلحين محسوبين على الثورة والمعارضة ارتكبوا جرائم تقشعر لهولها الأبدان، ليس في مواجهة النظام، بل في مواجهة الشعب الثائر نفسه، فداعش قَتَلت، وحرقت، وجلدت، وقطعت رؤوساً، وألقت رجالاً أحياء من أماكن شاهقة، وجبهة النصرة ارتكبت، في أماكن سيطرتها، جرائم منكرة، وكذلك الحال مع "جند الأقصى" و"حراس الدين" و"جيش الإسلام"، كلهم قَتَلوا وخطفوا وغيبوا وجلدوا واعتقلوا.. ولكن الذي يحق له أن يستنكر هذه الجرائم هو نحن، أمثالي وأنا، وقد استنكرناها في حينها، وما نزال، وأما مَن دَمَّرَ سورية وقتل نصف مليون من شعبها وهَجَّرَ بضعة ملايين، فالمفروض به أن يبقى في موقع المجرم الذي ينتظر حكم العدالة عليه.
الثورة السلمية التي انفجرت في وجه نظام الحكم الوراثي المافيوزي الأسدي، والقمع الهائل الذي ووجهت به، أدخلت بلادنا في حالةٍ من الفوضى وانعدام الأخلاق وفساد الضمائر، ليس فقط عند النظام الفاسد أصلاً، بل وفي صفوف الثوار والمعارضين، فواحدٌ يُتَّهَمُ بالتعامل مع النظام، والثاني يقال عنه عرعوري، والثالث عَلماني كلب، والرابع آبق، والخامس عميلٌ للأميركان، والسادس لتركيا، والسابع لإسرائيل.. وهكذا دواليك.