19 أكتوبر 2019
فرنسا ... بحثاً عن إسلام رسمي؟
تسعى السلطات الفرنسية إلى تنظيم الإسلام في فرنسا بالتحاور مع مختلف ممثلي الهيئات والجمعيات الإسلامية، وفي مقدمتها، مجلس الديانة الإسلامية (هيئة رسمية تأسست بمبادرة من وزارة الداخلية الفرنسية في 2003).
تشخيص الحكومة الفرنسية للوضع هو الآتي: هناك استفحال للفكر والممارسات المتطرفة والجهادية على أساس فهم غير سليم للإسلام، وتديّن يتعارض في تصوراته وقيم الجمهورية ومبادئها. وتواجه الحكومة الفرنسية التطرف الإسلامي على صعيدين، القانوني بسن تشريعات مثل قانون حظر النقاب في المؤسسات والأماكن العامة؛ والأمني بدعم الأجهزة المختصة، عدة وعتاداً، لمواجهة وتفكيك الشبكات المتطرفة التي تلجأ إلى العنف والإرهاب. لكنها، مع مرور الوقت، انتبهت إلى مسألة في غاية من الأهمية: الشق التربوي وكل ما يتعلق بالتحسيس والتوعية، تجنباً لسقوط شباب فرنسي مسلم في مخالب المتطرفين، بمعنى أنّ إستراتجيتيها ينقصها الجانب التعبوي والدعائي (وهذا ما تحاول تداركه بإطلاق موقع على الإنترنت مضاد للدعاية الجهادية لتنظيم داعش وغيره) ومبتورة أيديولوجياً، ذلك أن بعدها الأيديولوجي المعتمد على قيم الجمهورية ومبادئها يبقى ناقصاً من دون بعد "ديني"، لإعطاء صورة صحيحة للإسلام، تتطابق وقيم الجمهورية، وفي مقدمتها حرية المعتقد والعلمانية والتسامح ونبذ العنف... بالنظر لعلمانيتها، لا يمكن للدولة أن تتولى هذا البعد "الإسلامي" في إستراتيجيتها لمحاربة التطرف. لذا، تحتاج إلى الاعتماد على الهيئات والجمعيات الدينية الإسلامية الفرنسية للتكلف بهذه المهمة؛ مهمة التوعية وتقديم صورة صحيحة ومعتدلة عن الإسلام. وعلى الرغم من جهود الحكومة الماضية والحالية لتنظيم "الإسلام" في فرنسا، فإن الأخير منقسم على نفسه، بسبب تعدد الجمعيات وتناحرها وتعدد ولاءاتها (ما يظهر بشكل واضح في انتخابات مجلس الديانة الإسلامية، حيث تنقسم الجمعيات وفق ولاءاتها للوطن الأصل :الجزائر، المغرب، تونس، تركيا...)، ليصبح بعضها وكأنه امتداد لبلدان ونسخ "أجنبية" من الإسلام (في فرنسا).
لهذه الأسباب، تقول الحكومة الفرنسية، منذ سنوات، إن البلاد بحاجة إلى "إسلام فرنسا"، وليس "الإسلام في فرنسا" (هذا ما شددت عليه الحكومة اليمينية للرئيس السابق، نيكولا ساركوزي) وبضرورة تنظيم الإسلام. وأبدت الحكومة اليسارية الحالية عدم رضاها (إن لم نقل استياءها) على أداء مجلس الديانة الإسلامية الذي انتقده الرئيس فرانسوا هولاند بعد أحداث "شارلي إيبدو"، لعجز خطابه المعتدل عن مواجهة الخطاب المتطرف وأيديولوجية العنف الدينية لداعش وغيره. وفي إطار هذا الانتقاد، والحاجة إلى دعاية إسلامية مضادة لدعاية داعش، تندرج إستراتيجية الحكومة الفرنسية حيال الجمعيات الإسلامية في فرنسا.
تجنيد هذه الهيئات والجمعيات في محاربة الفكر المتطرف في المجتمع الفرنسي، يعني أن الحكومة تريد الاعتماد على "إسلام رسمي"، يتوافق وقيم الجمهورية ومبادئها لمحاربة الإسلام الموازي، السلفي والجهادي، الذي لا تعتبره خطراً على الجمهورية الفرنسية فحسب، بل على الإسلام نفسه.
وقصد التحاور مع ممثلي الإسلام في فرنسا، استحدث الحكومة "هيئة الحوار مع إسلام فرنسا". بحكم علمانية الدولة، فإن موقفها في غاية من الحساسية سياسياً. لذا، هي حذرة جداً. لكن، ليست هذه المرة الأولى التي "تتحاور" فيها الحكومة مع ممثلي الأديان، فـ "هيئة الحوار" الخاصة بالإسلام هي استنساخ لـ "هيئة ماتينيون" (ماتينيون مقر الحكومة الفرنسية) التي استحدثت في 2002، وجمعت الحكومة وأساقفة ممثلين عن الكنيسة الكاثوليكية، إلا أن الهيئة الخاصة بالإسلام تختلف عنها، كونها تأتي في توقيت سياسي وأمني حساس، كما أنها أوسع، لأنها تجمع ممثلين عن جمعيات كثيرة.
أعلنت الحكومة نيتها إنشاء هذه الهيئة، عقب عمليات شارلي في يناير/كانون الثاني الماضي، وبعد عدة اجتماعات تحضيرية واستشارية واسعة، انعقد الاجتماع الأول لـ "هيئة الحوار مع إسلام فرنسا". وهي إطار للحوار المنظم بين الحكومة، ممثلة في وزير الداخلية ومعاونيه من جهة وممثلي الإسلام من جهة ثانية. وتهدف إلى مناقشة مواضع تخص الإسلام، مثل تكوين الأئمة، بناء المساجد، ممارسة العبادات، الأعمال المعادية للمسلمين، صورة الإسلام في الإعلام. انعقد أول اجتماع لـها منتصف يونيو/حزيران الماضي، بحضور رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزيرة التربية، فضلاً عن كبار الموظفين، عن الجانب الحكومي، وعشرات من رؤساء المجالس الجهوية للديانة الإسلامية (التابع لمجلس الديانة الإسلامية في فرنسا)، ومسؤولي الفدراليات، وعمداء المساجد، وأئمة، وشخصيات ممثلة للمجتمع المدني، وبالطبع مسؤولي مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا ورؤساء مختلف الجمعيات المعتمدة. الملاحظ أن الحكومة عملت على إشراك أكبر عدد ممكن من الممثلين، ومن مختلف التيارات (الإخوانية – المتمثلة في اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا – الصوفية، التبليغ، وحتى شخصيات سلفية). ويرى وزير الداخلية الفرنسي أن الهدف هو التحاور مع هيئة إسلامية مرة أو مرتين في السنة، كما الحال مع الكاثوليك، وتجسير الهوة بين مختلف تيارات الإسلام، لتعمل وتتقدم معاً حول مواضيع محددة، لازالت عالقة، بسبب الخلل في عمل مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا.
نستنتج من هذا التصريح أمرين أساسيين. أولاً، الحكومة غير راضية على هذا المجلس الذي تعيب عليه عجزه عن فرض قواعد محددة على كل التراب الفرنسي. ثانياً، تقر بأن تمثيله مسلمي فرنسا محدود. لذا، تعمل على إشراك مختلف التيارات، سعياً إلى التوصل إلى هيئة إسلامية أكثر تمثيلاً للمسلمين، وبالتالي، أكثر نفوذاً في أوساطهم.
يعاب على هذه المبادرة الحكومية أمران: أنها مبنية على فكرة مسبقة، فحواها أنه يمكن جمع كل مسلمي فرنسا تحت مسمى واحد، وهذا صعب للغاية، فهم، مثل باقي مكونات المجتمع الفرنسي، متعددون ومختلفو التوجهات، ولا تريد أغلبيتهم أن يتدخل السياسي في عباداتهم، كما لا تريد أن يقحم الدين في السياسة. ثانيهما، تمثيل ما تعتبره الحكومة الفرنسية ممثلين للإسلام والمسلمين في فرنسا محل إشكال، ذلك أن أغلبية المسلمين لا تعترف بشرعية هؤلاء "الممثلين"، ولا تكترث حتى بوجودهم، ولم تصوت لهم. ولا ترى حاجة لوجود إسلام رسمي فرنسي، كما لا تقبل الطروحات السلفية، فضلاً عن الجهادية. فالأغلبية الصامتة لا تريد أن يصبح دينها رهاناً سياسياً بين مختلف الأطراف، من متطرفين وممثلي الهيئات والجمعيات الإسلامية وحكومة وأحزاب سياسية، الحاكمة والمعارضة (ازداد اهتمام الأحزاب بالإسلام في الآونة الأخيرة بتنظيم عدة ندوات...). بل يبدو أنها غير مبالية تماماً بما يحدث، لأن العملية برمتها مرفوضة جملة وتفصيلاً، والانخراط فيها يعنى القبول ضمناً بوجود مشكلة إسلام في فرنسا.
صحيح أن الإسلام بحاجة إلى تنظيم في فرنسا، لمواجهة التطرف، والدفاع عن المسلمين في وقت تتصاعد فيه المشاعر والأعمال المعادية لهم، ذلك أن هيئة إسلامية قوية في وسعها أن تتحاور مع الحكومة، وتكون، بالتالي، سنداً لقيم الجمهورية ومبادئها وللمسلمين على حد السواء، بغض النظر عن ممارسة العبادات من عدمها، بيد أن سعي الحكومة إلى "إسلام فرنسا" يعني البحث عن إسلام رسمي فرنسي! وهو أمر يتعارض مع المبادئ الديمقراطية، كما أن "الإسلام الرسمي" لن يقي فرنسا العمليات الإرهابية والتطرف، فوجود مؤسسة الإسلام الرسمي في الدول العربية التسلطية، منذ عقود، لم يحمها من الغلو والتطرف، بل ساهمت هذه المؤسسة بشكل كبير، من خلال منظومتها التربوية وثقافة طاعة أولي الأمر بدل ثقافة المشْكلَة (مناقشة الأمور ومسائلتها ليس تقبلها كما هي وكأنها حقيقة مطلقة)، في إيجاد تربة خصبة للفكر المتطرف. وعليه، مواجهة الخطاب الديني بخطاب ديني مضاد فيها مخاطر ومزالق كثيرة، أهمها ترك الخصم (المتطرف) يختار ميدان/مجال المواجهة، وتهميش الاحتكام إلى العقل.
تشخيص الحكومة الفرنسية للوضع هو الآتي: هناك استفحال للفكر والممارسات المتطرفة والجهادية على أساس فهم غير سليم للإسلام، وتديّن يتعارض في تصوراته وقيم الجمهورية ومبادئها. وتواجه الحكومة الفرنسية التطرف الإسلامي على صعيدين، القانوني بسن تشريعات مثل قانون حظر النقاب في المؤسسات والأماكن العامة؛ والأمني بدعم الأجهزة المختصة، عدة وعتاداً، لمواجهة وتفكيك الشبكات المتطرفة التي تلجأ إلى العنف والإرهاب. لكنها، مع مرور الوقت، انتبهت إلى مسألة في غاية من الأهمية: الشق التربوي وكل ما يتعلق بالتحسيس والتوعية، تجنباً لسقوط شباب فرنسي مسلم في مخالب المتطرفين، بمعنى أنّ إستراتجيتيها ينقصها الجانب التعبوي والدعائي (وهذا ما تحاول تداركه بإطلاق موقع على الإنترنت مضاد للدعاية الجهادية لتنظيم داعش وغيره) ومبتورة أيديولوجياً، ذلك أن بعدها الأيديولوجي المعتمد على قيم الجمهورية ومبادئها يبقى ناقصاً من دون بعد "ديني"، لإعطاء صورة صحيحة للإسلام، تتطابق وقيم الجمهورية، وفي مقدمتها حرية المعتقد والعلمانية والتسامح ونبذ العنف... بالنظر لعلمانيتها، لا يمكن للدولة أن تتولى هذا البعد "الإسلامي" في إستراتيجيتها لمحاربة التطرف. لذا، تحتاج إلى الاعتماد على الهيئات والجمعيات الدينية الإسلامية الفرنسية للتكلف بهذه المهمة؛ مهمة التوعية وتقديم صورة صحيحة ومعتدلة عن الإسلام. وعلى الرغم من جهود الحكومة الماضية والحالية لتنظيم "الإسلام" في فرنسا، فإن الأخير منقسم على نفسه، بسبب تعدد الجمعيات وتناحرها وتعدد ولاءاتها (ما يظهر بشكل واضح في انتخابات مجلس الديانة الإسلامية، حيث تنقسم الجمعيات وفق ولاءاتها للوطن الأصل :الجزائر، المغرب، تونس، تركيا...)، ليصبح بعضها وكأنه امتداد لبلدان ونسخ "أجنبية" من الإسلام (في فرنسا).
لهذه الأسباب، تقول الحكومة الفرنسية، منذ سنوات، إن البلاد بحاجة إلى "إسلام فرنسا"، وليس "الإسلام في فرنسا" (هذا ما شددت عليه الحكومة اليمينية للرئيس السابق، نيكولا ساركوزي) وبضرورة تنظيم الإسلام. وأبدت الحكومة اليسارية الحالية عدم رضاها (إن لم نقل استياءها) على أداء مجلس الديانة الإسلامية الذي انتقده الرئيس فرانسوا هولاند بعد أحداث "شارلي إيبدو"، لعجز خطابه المعتدل عن مواجهة الخطاب المتطرف وأيديولوجية العنف الدينية لداعش وغيره. وفي إطار هذا الانتقاد، والحاجة إلى دعاية إسلامية مضادة لدعاية داعش، تندرج إستراتيجية الحكومة الفرنسية حيال الجمعيات الإسلامية في فرنسا.
تجنيد هذه الهيئات والجمعيات في محاربة الفكر المتطرف في المجتمع الفرنسي، يعني أن الحكومة تريد الاعتماد على "إسلام رسمي"، يتوافق وقيم الجمهورية ومبادئها لمحاربة الإسلام الموازي، السلفي والجهادي، الذي لا تعتبره خطراً على الجمهورية الفرنسية فحسب، بل على الإسلام نفسه.
وقصد التحاور مع ممثلي الإسلام في فرنسا، استحدث الحكومة "هيئة الحوار مع إسلام فرنسا". بحكم علمانية الدولة، فإن موقفها في غاية من الحساسية سياسياً. لذا، هي حذرة جداً. لكن، ليست هذه المرة الأولى التي "تتحاور" فيها الحكومة مع ممثلي الأديان، فـ "هيئة الحوار" الخاصة بالإسلام هي استنساخ لـ "هيئة ماتينيون" (ماتينيون مقر الحكومة الفرنسية) التي استحدثت في 2002، وجمعت الحكومة وأساقفة ممثلين عن الكنيسة الكاثوليكية، إلا أن الهيئة الخاصة بالإسلام تختلف عنها، كونها تأتي في توقيت سياسي وأمني حساس، كما أنها أوسع، لأنها تجمع ممثلين عن جمعيات كثيرة.
أعلنت الحكومة نيتها إنشاء هذه الهيئة، عقب عمليات شارلي في يناير/كانون الثاني الماضي، وبعد عدة اجتماعات تحضيرية واستشارية واسعة، انعقد الاجتماع الأول لـ "هيئة الحوار مع إسلام فرنسا". وهي إطار للحوار المنظم بين الحكومة، ممثلة في وزير الداخلية ومعاونيه من جهة وممثلي الإسلام من جهة ثانية. وتهدف إلى مناقشة مواضع تخص الإسلام، مثل تكوين الأئمة، بناء المساجد، ممارسة العبادات، الأعمال المعادية للمسلمين، صورة الإسلام في الإعلام. انعقد أول اجتماع لـها منتصف يونيو/حزيران الماضي، بحضور رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزيرة التربية، فضلاً عن كبار الموظفين، عن الجانب الحكومي، وعشرات من رؤساء المجالس الجهوية للديانة الإسلامية (التابع لمجلس الديانة الإسلامية في فرنسا)، ومسؤولي الفدراليات، وعمداء المساجد، وأئمة، وشخصيات ممثلة للمجتمع المدني، وبالطبع مسؤولي مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا ورؤساء مختلف الجمعيات المعتمدة. الملاحظ أن الحكومة عملت على إشراك أكبر عدد ممكن من الممثلين، ومن مختلف التيارات (الإخوانية – المتمثلة في اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا – الصوفية، التبليغ، وحتى شخصيات سلفية). ويرى وزير الداخلية الفرنسي أن الهدف هو التحاور مع هيئة إسلامية مرة أو مرتين في السنة، كما الحال مع الكاثوليك، وتجسير الهوة بين مختلف تيارات الإسلام، لتعمل وتتقدم معاً حول مواضيع محددة، لازالت عالقة، بسبب الخلل في عمل مجلس الديانة الإسلامية في فرنسا.
نستنتج من هذا التصريح أمرين أساسيين. أولاً، الحكومة غير راضية على هذا المجلس الذي تعيب عليه عجزه عن فرض قواعد محددة على كل التراب الفرنسي. ثانياً، تقر بأن تمثيله مسلمي فرنسا محدود. لذا، تعمل على إشراك مختلف التيارات، سعياً إلى التوصل إلى هيئة إسلامية أكثر تمثيلاً للمسلمين، وبالتالي، أكثر نفوذاً في أوساطهم.
يعاب على هذه المبادرة الحكومية أمران: أنها مبنية على فكرة مسبقة، فحواها أنه يمكن جمع كل مسلمي فرنسا تحت مسمى واحد، وهذا صعب للغاية، فهم، مثل باقي مكونات المجتمع الفرنسي، متعددون ومختلفو التوجهات، ولا تريد أغلبيتهم أن يتدخل السياسي في عباداتهم، كما لا تريد أن يقحم الدين في السياسة. ثانيهما، تمثيل ما تعتبره الحكومة الفرنسية ممثلين للإسلام والمسلمين في فرنسا محل إشكال، ذلك أن أغلبية المسلمين لا تعترف بشرعية هؤلاء "الممثلين"، ولا تكترث حتى بوجودهم، ولم تصوت لهم. ولا ترى حاجة لوجود إسلام رسمي فرنسي، كما لا تقبل الطروحات السلفية، فضلاً عن الجهادية. فالأغلبية الصامتة لا تريد أن يصبح دينها رهاناً سياسياً بين مختلف الأطراف، من متطرفين وممثلي الهيئات والجمعيات الإسلامية وحكومة وأحزاب سياسية، الحاكمة والمعارضة (ازداد اهتمام الأحزاب بالإسلام في الآونة الأخيرة بتنظيم عدة ندوات...). بل يبدو أنها غير مبالية تماماً بما يحدث، لأن العملية برمتها مرفوضة جملة وتفصيلاً، والانخراط فيها يعنى القبول ضمناً بوجود مشكلة إسلام في فرنسا.
صحيح أن الإسلام بحاجة إلى تنظيم في فرنسا، لمواجهة التطرف، والدفاع عن المسلمين في وقت تتصاعد فيه المشاعر والأعمال المعادية لهم، ذلك أن هيئة إسلامية قوية في وسعها أن تتحاور مع الحكومة، وتكون، بالتالي، سنداً لقيم الجمهورية ومبادئها وللمسلمين على حد السواء، بغض النظر عن ممارسة العبادات من عدمها، بيد أن سعي الحكومة إلى "إسلام فرنسا" يعني البحث عن إسلام رسمي فرنسي! وهو أمر يتعارض مع المبادئ الديمقراطية، كما أن "الإسلام الرسمي" لن يقي فرنسا العمليات الإرهابية والتطرف، فوجود مؤسسة الإسلام الرسمي في الدول العربية التسلطية، منذ عقود، لم يحمها من الغلو والتطرف، بل ساهمت هذه المؤسسة بشكل كبير، من خلال منظومتها التربوية وثقافة طاعة أولي الأمر بدل ثقافة المشْكلَة (مناقشة الأمور ومسائلتها ليس تقبلها كما هي وكأنها حقيقة مطلقة)، في إيجاد تربة خصبة للفكر المتطرف. وعليه، مواجهة الخطاب الديني بخطاب ديني مضاد فيها مخاطر ومزالق كثيرة، أهمها ترك الخصم (المتطرف) يختار ميدان/مجال المواجهة، وتهميش الاحتكام إلى العقل.