في أنَّ فنّ الحرب امتداد لفنّ الحبّ
أشهرعبارة من عبارات فنّ الحرب أنَّ الحرب امتداد للسياسة، مع العدوّ وليس مع الشعب كما في بلداننا الشمّاء، التي لا يعلو فيها صوتٌ على صوت "المعلّقة"، وهي تشبه عبارة إنَّ المرأة نصف المجتمع، وكنت أظنَّ أنّ الرئيس كلّ المجتمع، وأنَّ الحرب امتدادٌ للحبّ. السياسة قصرٌ والحربُ حديقته.
تقول القصة: إنَّ الملك الصيني هووولوو في مملكة تشي سمع بمهارة الجندي سون تزو التخطيطية، فأمره بتأليف كتاب في فنون القتال، فكتب له كتابَ "فنّ الحرب"، وإنَّ الملك سأله بعد قراءته: "هل يمكن اختبار الخطّة التي وضعتَها ميدانياً على ربّات الحجال؟". أي ملك هذا الذي خطر في باله تجنيد "ذوات الخدور" في ذلك العهد القديم؟
تتابع القصة: إنَّ سون تزو اختار 180 امرأة من جواري الملك (العدد ليس 40، وهذه علامة على صدق الرواية)، فقسّمهن إلى فرقتيْن كما في الشطرنج، ثمّ أمرهن بأن يتسلّحن بالحِرَاب، ثمّ خاطبهن قائلاً: إنكن تعلمن الفرق بين المقدّمة والمؤخّرة، وبين جهتي اليمين واليسار؟ ثمّ أمّرَ عليهن محظيتيْن من محظيات الملك، وأمرهن بإصدار أمر: إلى اليسار دُر، فانفجرت المجنّدات المسلحات بالضحك (يمكن تذكّر فيلم "إسماعيل ياسين في الجيش" المأخوذ عن فيلم "شارلي شابلن في الجيش"، وأمثالهما كثير)، وأغلب الظنّ أنّهن ضحكن لأنّ سهام ألحاظهن قاطعة في غِمدها، وهي أمضى الأسلحة، فلمَ الحراب والرماح، يا سو؟
أمر سون تزو بإعدام قائدتي المجموعتيْن، فذهلن جميعاً، لأنّ عاقبة الضحك في تمرين المعركة هي الإعدام (!).
كان الملك يراقب التدريبات من السدّة الملكية، فوجد من إعدام أحسن جواريه وجداً شديداً، فأرسل إلى سون تزو قائلًا: "خلاص يا سون، فهمنا الدرس، وقد عفوت عن القطتين ولن يهنأ لي عيش من دونهما، فقلبي أصبح "ممرمر مما".
لكن سون تزو اعتذر عن طاعة الملك، فهو القائد في المعركة، فهي حرب، وليس "خط جمبري": "بتكليفكم لي قيادة قواتكم العسكريّة، فإني الآمر الناهي". أعدم "المقرود" الغزالتين، أمام الملك والنسوة المجندات، ففعل الدرس أثره فيهن، وأمّر عليهن غزالتين جديدتيْن، وقال للملك: "الجنديات على أتمّ الاستعداد للحرب، ولو أمرهن الملك بخوض البحر لخضنه معه".
تقول القصة إنَّ حزن الملك على ظبيتيه لم يبلغ التلف، فعنده ظباء وغزلان كثيرة، لكنّه حرد عن دعوة سون تزو لحضور العرض العسكري بمناسبة مجهولة، ليست الجلوس على العرش، وأمر بإسدال الستار على المسرحية الدامية، فقال سون تزو ساخراً من ابن الشمس المقدّس: "إنّ الملك لا يقرن الأقوال بالأفعال". ويبدو أنّ كلمته أثّرت في الملك، فأمّرَه قائداً للجيوش، وأرسله ليحارب مملكة تشو المجاورة، فهزمها، وشقَّ طريقه إلى عاصمتها ينج، ثم إلى الشمال، فزرع الخوفَ في مملكتي تشي وتشن، وقطف محصول سنبلة الخوف سبع سنابل، ونصراً بعد نصر. تروي لنا المخطوطات الصينية كيف انتصر سون تزو بجيشٍ قوامه 30 ألف جندي على جيش عدوّه الذي كان قوامه مائتي ألف جندي، لا يعرفون جهة اليمين من جهة اليسار.
من أشهر مقولات سون تزو: إن كنتَ تعلم قدراتك وقدرات عدوّك، فخض مائة معركة، وإن كنتَ تجهل قدرات عدوّك، فأبشر بطول سلامة يا جاكي شان.
في هذه القصة قطائف (عسكريّة وليس حلويّات) ولطائف، وكنت أظنُّ وأنا أطالعها أنَّ سون تزو سيجنّد الجواري كنساء طروادة، ويرسلهن إلى المعركة وهنَّ بكامل زينتهن، وما أن يراهن فرسان العدوّ، حتى يقعوا في حبالهن وتتكسر نصال الحُسامِ على نصال الغرام، لكن القصة عسكريّة خالصة، وفيها تدبير عسكريّ مكين، وإنّ ظني ذهب بعيداً، لأنَّ قلبي "محرحر مما"، وإنّ الدرس الأول هو أنَّ الحرب حتم وقضاء مبرم، فهي امتداد للحياة، أما الدرس صفر، فهو: "ادعس على قلبك بالجزمة، وليس لك إلا الصبر".
ثمّة درس مهجور غير مذكور، أنَّ سون تزو لم يخطّط لانقلاب، فالملك في الصين هو ابن الشمس، وهو مقدّس، وليس كملكنا، وهو مقدّس أيضاً، وابن ستين شمس، لكن يمكن الانقلاب عليه وأخذ عقيلته وعشيقته سبايا، وتجديد الفراش.