في الخروج من "متاهة الإصلاح" الأردني
تبدو الجملة التي ذكرها أحد المشاركين الشباب الأردنيين، في حوارية "الإصلاح السياسي: آفاقه وتحدياته" (عقدها معهد السياسة والمجتمع مع صندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية)، مفتاحاً مهماً لفهم المتاهة الرسمية في موضوع الإصلاح، عندما قال: "ما نحتاجه اليوم هو سيمفونية وليس عزفاً منفرداً من اللاعبين السياسيين" في البلاد.
فعلاً، من يرصد السلوك السياسي الرسمي في الأردن يدرك أنّ هنالك أزمة حقيقية لدى النخبة الرسمية في تعريف الإصلاح المطلوب، وتحديد مستوياته وآفاقه، وكيفية تحقيقه؟ فرئيسا مجلسي الأعيان والنواب يحاولان الدخول إلى ملف الإصلاح السياسي وإدارته، بينما الحكومة تغيب عن الإعلام، وما زالت أفكار اللجنة التي شكلتها بهذا الخصوص غير معلنة، وربما ليست ناضجة، فيما تتحرّك القوى السياسية في فضاء مختلف تماماً، للتأكيد على مطالب مغايرة تماماً في سقفها لتلك التي تصدر عن شخصيات مقربة من دوائر القرار.
قرابة أربعة شهور مرّت على دعوة الملك عبد الله الثاني إلى مراجعة التشريعات الناظمة للعملية السياسية، لكن لا يوجد شيء واضح في الأفق. وما يثير القلق أكثر لدى القوى السياسية أنّ تسريباتٍ تؤكد بقاء قانون الانتخاب المبني على "الصوت الواحد"، مع إضافة قائمة وطنية، من دون الولوج إلى نقاش معمّق لتشخيص الوضع الراهن، وترسيم طريق تحقيق الأوراق النقاشية الملكية التي تدعو إلى تحول النظام السياسي نحو حكوماتٍ ذات أغلبيةٍ حزبيةٍ أو ما شابه ذلك، وإحداث قفزة نوعية في اللعبة السياسية لإدماج جيل الشباب المتحفّز للعمل والتغيير.
في دوائر القرار المختلفة، ما زالت هنالك حيرة في كيفية تأطير العملية المطلوبة، في ما إذا كان ذلك يستدعي تشكيل لجانٍ جديدة، شبيهةٍ بلجنة الحوار الوطني، أو وضع المخرجات مسبقاً من الحكومة وترويجها لدى القوى السياسية.
المعضلة الكبرى أنّ هنالك شكوكاً عميقة وكبيرة لدى القوى السياسية والشارع في جدّية البحث عن "نقطة تحول"، وإيجاد مخرج من الحالة السياسية الراهنة التي تتسم بالفراغ، فيما يستمر اتجاه رسمي عريض يتبنّى مقولة إنّ الأزمة اقتصادية، وتحتاج إلى التركيز على توفير فرص عمل، والخروج من تداعيات كورونا، الكارثة على صعيدي الاقتصاد الكلي والجزئي، من دون إحداث قفزات حقيقية في الملف السياسي.
بدلاً من أن يكون تحريك عجلة الإصلاح السياسي وسيلةً مهمةً لإيقاف حالة الإحباط وخيبة الأمل؛ وقع هذا الملف نفسُه في أزمة، نظراً إلى غياب التوافقات الوطنية على تشخيص الواقع السياسي، وتقديم بدائل مقنعة له، وكأنّ الجميع يدور حول نفسه في المربع ذاته، مع محاولة تقزيم المطلوب سياسياً إلى أصغر كسر عشري ممكن.
الطريف أنّ الكل يطلب ضمانات للسير في هذا الطريق. الطرف الأول هو القوى السياسية التقليدية والجديدة في الشارع التي لا تريد أن تستعيد تجارب حوار وطرح وثائق تنتهي في الأدراج. والثاني هو الرسمي، متمثلاً في مؤسسات الدولة التي تخشى أن ينحرف قطار الإصلاح، ويؤدّي إلى أزمات ومشكلات تؤثر على الاستقرار السياسي، في ظل ظروف داخلية وإقليمية صعبة.
فليكن، لماذا لا يمنح الجميع ضمانات؟ ولماذا لا نذهب نحو سيناريو الصفقة الذي يعيد بناء الثقة المتهالكة بين الجميع، ويقدّم كلّ طرف تنازلاتٍ للآخرين، ونصل إلى تصوّرات مشتركة، وأرضية صلبة للقواسم المشتركة، مع الحديث بلغةٍ واضحةٍ وصريحةٍ عن هواجس مختلف اللاعبين؟ ومثل هذا السيناريو يتطلب تدخلاً جراحياً حاسماً من الديوان الملكي، ورسالة واضحة بالمطلوب في المرحلة المقبلة، وإدارة الحوار السياسي بين الجميع، وترسيم الطريق من خلال جلسات حوارٍ مكثفة تضع القوى المختلفة على الطاولة.
قد يكون أكبر خطأ يُرتكب اليوم اختزال الإصلاح المطلوب ببعض التغييرات في قانون الانتخاب، من طرفٍ واحد، لأنّ الأحداث الأخيرة أثبتت أنّ المشكلة السياسية تتطوّر، والفراغ السياسي في البلاد يتمدّد، وأزمة الثقة تتجذّر. لذلك، فإنّ الحوار بحدّ ذاته مهم وأساسي، والمكاشفة والتوافق على المراحل المطلوبة، وصولاً إلى ترجمة الأوراق النقاشية الملكية التي حظيت بتوافق القوى السياسية، بمثابة مسار استراتيجي برعاية ملكية لوضع الخط الزمني والسياسي للتحرر من الشكوك المتبادلة، والوصول إلى وصفة وطنية حضارية، تعيد تقوية قواعد اللعبة السياسية، ولا تجعل الشارع الاحتجاجي الغاضب الفضاء الوحيد المفضل لجيل الشباب.