في اليوم العالمي لمكافحة كراهية الإسلام
أطلق شخصٌ مساء الخميس، 9 مارس/ آذار الجاري، النار على أشخاصٍ في كنيسة تعود إلى طائفة "شهود يهوه" في هامبورغ، راح نتيجتها سبعة قتلى وعدّة مصابين. وذكرت تقارير أن المشتبه فيه، منفذ العملية، أطلق النار على نفسه أيضاً، وأنه كان عضواً في الطائفة، ثم انفصل عنها، وبقي على خلافٍ معها. ولا تزال تفاصيل كثيرة غير واضحة، بما في ذلك الدافع وراء الجريمة وطبيعة الحدث الذي كانت تنظّمه طائفة شهود يهوه وقت الهجوم. ولكن الثابت أن القضية لا يمكن ردّها إلى "الإرهاب الإسلامي".
عدد المنضمّين إلى "شهود يهوه" في ألمانيا نحو مئتي ألف، بحسب موقع إذاعة دوتشيه فيليه، وطائفة شهود يهوه مجموعة مسيحية يعتقد أتباعها أن تدمير العالم الحالي وشيك، وأنه سيتم إنقاذهم بوصفهم مجتمعاً مختاراً. وتضم الطائفة حوالي ثمانية ملايين عضو في أنحاء العالم، ويقع مقرّ الهيئة الحاكمة لها في نيويورك، وهي جماعة دعوية، إذ من الشائع رؤيتهم في شوارع المدن الألمانية ومحطّات وسائل النقل وأماكن التجمعات وهم يوزّعون كتبهم الدعوية وأناجيلهم.
وإذ كشفت السلطات المحلية في هامبورغ أن المشتبه في تنفيذه إطلاق النار كان عضواً سابقاً في الجماعة، أشارت في بيانها إلى عدم وجود "مؤشّرات" على وجود دافع "إرهابي". هذا التعبير لطالما كان شائعاً في كل عملية عنفٍ وقتلٍ واعتداء من هذا النوع في الغرب، وغالباً ما يرتبط الاتهام بالإسلام، الإرهاب الإسلامي، خصوصاً إذا كان منفذ العملية ينحدر من الدول الإسلامية. أمّا عندما يكون المنفذ غير مسلم، فدائماً يحضر احتمال أن يكون لديه "اضطراب نفسي"، فهل يمكن اعتبار من ينفذ عملية إرهابية بهذه الفظاعة، سواء كان المنفذ منعزلاً أم مدفوعاً من جماعة، سويّاً من الناحية النفسية؟ فلماذا يُشار إلى الإرهاب دائماً على أنه "إسلامي" إذا لم يثبت العكس؟
كره الإسلام أو كراهية الإسلام أو "الإسلاموفوبيا" هو الخوف من المسلمين والتحيّز ضدهم والتحامل عليهم بما يؤدّي إلى الاستفزاز والعداء والتعصّب بالتهديد وبالمضايقة وبالإساءة وبالتحريض وبالترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت. وتستهدف تلك الكراهية، بدافع من العداء المؤسسي والأيديولوجي والسياسي والديني الذي يتجاوز تلك الأطر إلى عنصرية بنيوية وثقافية، الرموز والعلامات الدالّة على أن الفرد المستهدف مسلم. هذا ما جاء في تعريف الأمم المتحدة، ولقد اعتمدت قراراً (76/ 254) في عام 2022 باعتبار 15 مارس/ آذار يوماً دوليّاً لمكافحة كراهية الإسلام. بل قال المقرّر الخاص في الأمم المتحدة، المعني بحرية الدين أو المعتقد، أحمد شهد، في تقرير خاص في 19 مارس/ آذار 2021 "الشك والتمييز والكراهية الصريحة تجاه المسلمين وصلت إلى أبعاد وبائية"، فهل هناك أخطرُ من إقرار كهذا؟ كما أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، وصف هذه الظاهرة بأنها "سمّ"، وقال إن المسلمين في العالم الذين يشكلون ملياري فرد، يواجهون، في أحيانٍ كثيرة، تعصّباً وتحيّزاً لا لسبب سوى عقيدتهم، فهل صحيحٌ أن العقيدة هي السبب، أم أن السبب الرئيسي يكمن في تمثلات هذه العقيدة في قسم كبير من المجتمعات الإسلامية، بشكلٍ يُظهر العنف والإقصاء وكره الآخر ومحاصرة الحريات والتمييز وخطاب الكراهية في أحوالٍ عديدة، وكلها باسم الدين؟
في الدول التي يشكّل فيها المسلمون أقلية، نرى أنهم يتعرّضون أحياناً للتمييز في الحصول على السلع والخدمات، وفي العثور على عملٍ وفي التعليم. وفي بعض الدول ربما يُحرمون من الجنسية أو من وضع الهجرة القانوني بسبب تصوّرات معادية للأجانب أن المسلمين يمثلون تهديدات للأمن القومي والإرهاب. يتم استهداف النساء المسلمات أيضاً في بعض الأحيان بجرائم كراهية الإسلام. لكننا نرى أيضاً، في هذه الدول، أن شريحة كبيرة من المجتمع تدافع عن حقوقهم، وتحارب الكراهية ضدهم، وتدافع عن ثقافةٍ باتت شبه متأصّلة في المجتمع، تتبنّى شرعة حقوق الإنسان، ومنها الحريات، وفي مقدمتها حرية الدين والمعتقد، وتضمنها دساتير الدول تلك.
العالم بمجمله متأزّم، والتهديد الوجودي لم يعد حصراً على العالم الفقير أو النامي الرازح تحت وطأة الحروب والاقتتال والفقر والتخلّف، بل تسلّل إلى الدول الغنية والمستقرّة إلى حدّ ما
على المستوى الشعبي، يستمدّ الناس معارفهم وأخبارهم من وسائل الإعلام والصحافة والميديا بأنواعها، وقد شكّلت الممارسات العنفية في الأماكن الرازحة تحت وطأة حروب مشتعلة فترة طويلة قاعدة بيانات كبيرة تؤسّس لهذه الأفكار المأخوذة عن المسلمين، ومن ذلك أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) صورة عن الوحشية بأعتى تشكلاتها، مرعبة للبشرية كلها، بل إن كلمة "الله أكبر" وحدَها صارت بمثابة نذير موتٍ محقّق في المجتمعات الغربية، وها هي أفغانستان، في عدة سنوات من الصراعات الدامية، ووصول حركة طالبان إلى الحكم، تصدّر للعالم نموذجاً حيّاً عن راهنٍ يمور بالعنف وخنق الحريات والتمييز، خصوصاً تجاه المرأة، وكلها باسم الدين.
كذلك في بلدان اللجوء، الغربية، فإن مظاهر عديدة للسلوك الرافض ثقافة المجتمع المضيف، إذا لم نقل المعادي له، يبديها بعض المسلمين، بل منهم من ينشط في المجال الدعوي على أساس إيمانٍ راسخٍ بأن الإسلام هو مستقبل البشرية، وفي محاولات ترمي إلى تغيير ثقافة المجتمع المضيف، وقد أدّى هذا إلى خمود الزخم الذي استقبلت فيه تلك المجتمعات موجات اللجوء في البداية، ترافق مع تنامي اليمين المتطرّف الكاره للأجانب، والدعوات العنصرية تجاههم.
العالم بمجمله متأزّم، والتهديد الوجودي لم يعد حصراً على العالم الفقير أو النامي الرازح تحت وطأة الحروب والاقتتال والفقر والتخلّف، بل تسلّل إلى الدول الغنية والمستقرّة إلى حدّ ما، وهذا ما يفاقم حالة الكراهية، ويقضي، بالتدريج، على قيم التسامح والغفران والعيش المشترك وقبول الآخر وغيرها. أمام هذا الواقع المأزوم، أليس من الجدير بنا، نحن المجتمعات المسلمة، أن نواجه واقعنا ونلتفت إلى تاريخنا وما أنجزناه؟ وأن نعترف بأخطائنا ونقرّ بحقيقة كم نحن محتاجون إلى الانتقال من "الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي"، كما يقول المفكّر محمد أركون، وهو "النقد المنفتح على آخر مكتسبات علوم الإنسان والمجتمع، وخصوصاً مفهوم المتخيّل أو الأسطورة أو الحقائق السوسيولوجية الضخمة، لما لها من دور مؤثر في تاريخ المجتمعات وحياتها، أكبر من الدور الذي تلعبه الحقيقة الحقيقية"؟ أليس من واجبنا أن نسعى إلى العيش في العصر، منفتحين على العالم مواكبين سير الحضارة؟
الموقف المتشنج تجاه النقد والرافض له أحد الأسباب الرئيسية التي تقف في وجه انفتاح المجتمعات الإسلامية على العالم
هل يكفي أن تُقدم بعض الحكومات في العالم على أفعال ملموسة لمكافحة كراهية الإسلام، بوضعها تشريعاتٍ وتدابير تُعنى بمكافحة جرائم الكراهية، لمنع جرائم الكراهية ومقاضاة مرتكبيها، وبشنّ حملات تثقيفية عامة عن المسلمين والإسلام، بهدف تبديد الخرافات والمفاهيم المغلوطة والمسيئة؟ أم مطلوبٌ منّا إصلاح أنفسنا أيضاً من أجل تغيير الصورة النمطية الشائعة عنّا، مجتمعات وأفراداً؟
الموقف المتشنج تجاه النقد والرافض له أحد الأسباب الرئيسية التي تقف في وجه انفتاح المجتمعات الإسلامية على العالم، ليس المجتمعات ضمن الدول الإسلامية فقط، بل انفتاح المجتمعات الإسلامية الصغيرة في الدول الأخرى ومحاولة الاندماج فيها. وهذا ملحوظ ويشكّل مشكلة للجماعات المهاجرة، خصوصاً بعد موجات اللجوء الكبيرة التي شهدتها العقود المنصرمة المتسمة بالحروب وانهيارات بعض الدول، منها العراق وأفغانستان واليمن وليبيا وسورية وفلسطين وغيرها.
نحن بحاجة، ليس فقط إلى مثقفين ومفكّرين مغاوير في اقتحام هذا الحقل الملغوم؛ نقد العقل الديني، وفتح العقول على فهم الإسلام بشكل سليم، ليس هذا فقط، بل محتاجون إلى قرّاء قادرين على قراءة المنتج الفكري والنقدي والأدبي أيضاً، متحرّرين من النزعات المسبقة والدوافع التعصبية في تلقف المنتج الثقافي، بحاجة إلى التنوير كي نكون قادرين على كسر الصورة النمطية عن الإسلام، بأنه منتجٌ للعنف، وتصديرها إلى العالم كي يقبلنا شركاء في إنتاج الحضارة وصناعة التاريخ.