في مضارب مجلس الشعب

31 مارس 2016
+ الخط -
صغيراً، كنت شغوفاً بجمع صور أبطال السينما، مثل: ماشيستي، ودان فاديس، وغاري كوبر، وجون وين، وشامي كابور، وشارميلا تاغور التي التقيت بها والتقطت صورة تذكارية معها، وأهديتها روايتي الوحيدة، وهي عن ذكريات الأفلام الهندية، والصداقة التي أطاحتها السياسة، ووعدتني بأن توصلها إلى صديقنا شامي كابور.
هطل ثلج الزمن الذي لا تذوّبه الشمس على رأسي، وبلغ بي الهمّ عتيا، وعدت إلى هوايتي القديمة، وصرت أجمع صورا طريفة لمرشحي مجلس الشعب، وكان منها صورة مرشح أمام آلة شيّ فروج، وهو يدعو إلى انتخابه، لأنه مخترع الآلة البسيطة. ومرشح كتب، في منشور دعايته، لسباق ذكور النحل في تلقيح ملكة الذباب البرلماني: يأتي تحرير الجولان في مقدمة اهتماماتي. كان سؤالي وقتها: كيف سمحت الرقابة، وهي مخابراتٌ تجعل النحلة تعترف أنها ذبابة كلب؛ بمنشورٍ مثل هذا؟ ففي ملتي واعتقادي أنه لن يجدي مع الجولان نوح باكٍ، ولا ترنم مرشحٍ شاد.
التقيت بروائي حلبي، في سوقٍ شعبيٍّ يتأمل في دعايات المرشحين، فسلمت على "السيناتور" الذي كان يحاول أن يعرف مؤهلات زملائه، ذكور النحل القادمين إلى مهجع المجلس، فهو عضو معين مضمون. وبمناسبة التعيين، نذكر أنّ البعثيين هم أعضاء الحزب القائد للشعب والوطن. كانوا يبدون حسدهم لأصحاب المقاعد المحجوزة من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، فتلك قسمةٌ ضيزى. كان البعثيون يتنافسون بشدة، أما هؤلاء فكانوا يجلسون في مقاعد المن والسلوى، وهي أحزاب صغيرةٌ لا تُرى بالمجهر، يسميها السوريون أحزاب الميكروباص، إذ يمكن نقل قادة الحزب ومحازبيه في سيارة بالحجم العائلي.
كانت كل الإعلانات السياسية للمرشحين تخلو من إشارات التشريع الذي هو مهمة البرلماني. وهذا يذكّر بخلط الاختصاصات؛ وهي أكبر مشكلة واجهت سورية منذ ثورة الثامن من آذار المجيدة، تصوّر أن يقوم جنرال أميّ بتعليم الرسم والأشغال الشاقة، أو أن يقوم وحيد قرن بوظيفة مضيفة طيران.
دخل عضو برلماني سوري موسوعة غينس، بوصفه أقدم برلماني في العالم، وهو الذي رأيناه يلطم حزناً عند إعلان وفاة حافظ الأسد في هيئة التشريع. وقتها كان شقيق الأسد جالساً بسلامٍ خلفه في مشهد من عالم السريالية السياسية، فلعل أخوّة المجلس والكرسي الجامعة بين عضو مجلس الشعب الأقدم في العالم والأسد أقوى من أخوّة الدم. وكان يحق للأسد الترشح لدخول غينس بأكثر من صفةٍ، لولا أسوة زهد أبي العتاهية الحسنة.
ومن الغرائب السياسية والديمقراطية في سورية، أنّ الدولة الموقرة كانت تولي انتخابات غرف التجارة اهتماما أكبر من الانتخابات المحلية أو البرلمانية، وهي انتخابات نقابية غير شعبية. وقد عرفت اسم صباح فخري الحقيقي، وهو محمود أبو قوس، من مجلس الشعب، فلله در المجلس من برنامجٍ تثقيفي وفني. وتمنيت حقاً أن يعتكف معتكفٌ لكتابة "رواية اسمها مجلس الشعب"، فما أتذكّره بصفتي واحداً من الرعايا، قليل جدا. منها أنّ رئيس قبيلة وعدته المخابرات بالفوز، وفاز حقاً، لكن اسمه سقط سهواً، فانطلق يطلق النار في الشوارع محتجاً. ومنها: صديق شيوعي رشح نفسه للبرلمان، شكا لي بعبرة وتحمحم أنّ البلدية له بالمرصاد، لأنّها تتلف لافتات الدعاية بذريعة إصلاح الكهرباء، وكان قد فاز بأعلى الأصوات في مدينة دمشق، واتصل به وزير الداخلية مهنئاً، ثم اكتشفوا أنّه من الجبهة الوطنية التقدمية المسمارية، فسقط اسمه سهواً.
نعود إلى موسوعة غينس، وصاحبنا البرلماني الذي دخلها فاتحاً، دخول صقر قريش الأندلس. قال في رسالة "إس إم إس" شفوية قصيرة، أرسلها مع صديق لي من العشيرة، إلى خصمين قريبين، انتويا الترشح ضدّه، وهما أكثر شباباً، وأعلى شهادة: خلوا مصاريكم لويلادكم، ولو انتخبكم شعب الصين كلو، الفوز من نصيبي.
لله درّه من تنيّن صيني، حريص على أولاد منافسيه؛ لا يصطلى له بنار، ولا يشق له إزار.

دلالات
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر