ملك إسرائيل الأخير
إنَّ للبطل وجوهاً كثيرة، وهي بالآلاف عند الباحث جوزيف كامبل، وسنحاول أن نجلي صورة البطولة لدى نتنياهو، هل هي في صورة رامبو ذي العضلات واللطمات، أم هي في صورة المحتال بيرني في فيلم "هيرو"، أم هي في صورة النصاب جون بوبر في الفيلم نفسه؟
صورة البطل عند الأميركان هي المنتصر، الظافر، القاهر، المدمّر، السريع، الذي يفوز في نهاية القصة بغنيمتين؛ البطلة الجميلة، والثروة العظيمة. البطل الأميركي، والغربي عموماً، يخون الرسالة، ويقع دائماً في الخطيئة اللذيذة، وهو ينقذ البطلة التي كُلف بإنقاذها أو تطوّع لها، فيواقعها، اللهم إلا إذا كانت القصة كوميدية، فيصير البطل متبتّلًا ناسكًا، يتأمّل دخان سيكارته. طبّاخ السّم يذوقه، فكيف لا يذوق العسل مشتريه.
نتنياهو ليس رامبو، فرامبو بطل قتال ونبال، بطولته مختلفة، فهو بطل محصّنٌ بكل أنواع الحصانة والقوة والرفد والمدِّ والذخائر؛ قبّة حديدية في السماء، وقباب إسمنتية على الأرض، وقبّة سياسية أميركية، وقبّة واقية تحميها حتى من بوصلة غوغل، وقبّة قانونية دولية، وهي تتآكل بفعل جرائمه السافرة. إنه مثل السلحفاة، قبّته الصلبة معه، وقبّة عاطفية من الأشقاء العرب، كما أنه يحظى بقبّة إعلامية، أحد فرسانها المذيع البريطاني بيرس مورغان، الذي يرفع سبطانة سؤاله على كل ضيفٍ من الفريق الخصم: هل تدين "خماس" البيت كله محاصر؟
لقد صفّق الكونغرس "للطبل" العائد من الحرب صفقات "طلائعية". ... إنّه قائد أقوى جيوش أميركا، في أهم قاعدة أميركية هي فلسطين المحتلة، وقد عاد من أطول حرب خاضتها إسرائيل، مثل عودة جيسون من بحر الضياع. صفّق الشيوخ "لسيف أميركا المسلول"، فقالوا عن الخطاب في سباق الأرقام: صفقوا له 42 مرّة، مدة 17 دقيقة، ووقفوا له كما لم يفعلوا لرئيس أميركي، حتى رجاهم أن يكفّوا كي يكمل الخطاب ولا يموت من الوجد والحب.
لم نصبح مثل أميركا، إنما أمست أميركا مثل جمهوريات البلح العربية، بل أوشك رئيس أميركا الكهل أن يمسي مثل رؤسائنا المعاصرين الكهول. قيل في سباق الأرقام أيضا، والأميركان يحبّون الأرقام: إنه أكثر رئيس وزراء إسرائيلي خطب في الكونغرس، وقد خطب فيه أربع مرّات، وخطب فيه بكامل أناقته، وفصاحته، خطاب النصر، بعد حرب ضد سبع دول، وقد حاولتُ معرفة الدول التي ادّعى محاربتها معاً، فضربت أسداسا بأسباع، فقدّرت أنها: دولة "ميكرو" غزّة، ودولة إيران، ودولة الأحد عشري المفيدة، ودولة هيفا وهبي، ودولة "جوز عديلة اللّي تحت"، ودولة أبي خنجر الحوثي، ثم استعصت علي السابعة فلم أعرفها، فقلت لعله عدّ إيران دولتيْن، وحسبها مثنّى وليس مفرداً، أو زاد الدول واحدة حتى تصير الدول سبعاً عدداً، فهو كذّاب أشر.
استقبلت أميركا بحزبيها بطلها بالأحضان، فإسرائيل فوق الأحزاب، وشابهت أميركا جمهوريات البلح، والشنكليش مرّة أخرى. وكان قد انتشر شعار سوري غير مكتوب هو أنَّ كل سوري بعثيٌ، وإن لم يكن حزبيّاً، قال بايدن التقي الورع: أنا صهيوني، وإن لم أكن يهوديّاً.
وكان الحميت الدسم قد اصطحب فرقة تمثيل؛ وفيها جندي عربيٌ من البدو اسمه أشرف البحيري، ورهينة محرّرة، وجريح، وزوجته الشقراء، فعملت الكاميرات "كلوز" على الجندي الإثيوبي الأسمر الذي ظهر مذهولاً، وادّعى أنَّ جيش إسرائيل مثالي، فيه السود والحمر والصفر، إنه جيش بالألوان الخلابة، وكاد أن يقول إنه جيش يوزّع الورود، وقدم لأشرف "ترجمة" تزعم تفانيه في سبيل دولته إسرائيل الديمقراطية، وكرر كذبته بشأن حرق حماس للأطفال، واغتصاب النساء.
قيل أيضاً في المفاخرة والمباهاة إنَّ نحو 60 عضواً وأكثر من أعضاء الكونغرس انسحبوا من جلسة الخطاب، في مقدمتهم بيرني ساندرز، لكننا لم نرَ صورهم، ونحن في عصر الصورة، فصورة الغائب لا يعتدُّ بها.
الأمعاء تتصارع ( وفي قول آخر تتعانق) في المعدة الأميركية، لكن الطعام سيهضم. ... نعود إلى صورة البطل الذي قاتل بكل أنواع الأسلحة سوى السلاح النووي، مقاتلين حفاة، جياع، وقد أنتجوا أسلحة بمصانع بدائية، قاتلوا أقوى قوّة على الأرض، مدعومة بسلاح ومخابرات الدول السبع العظام، وسلاح الجوع والحصار، والقفز فوق القوانين الدولية، لذلك سنبحث عن البطولة في "غوغول أيرث".