إجماع على أهداف العدوان
يوماً بعد يوم، تتكشف معطيات الحرب التي تُشن على لبنان، وبأنها لن تكون جولة تصعيد عابرة يتم احتواؤها بالمفاوضات والاتفاقات أو العودة إلى القرارات الدولية، فكل ما يحكى عنه من مفاوضات أو اتصالات ليس إلا تقطيعاً للوقت من جانب سلطات الاحتلال وداعميه، في الوقت الذي تستكمل فيه العمليات العسكرية لتحقيق الأهداف التي وضعتها إسرائيل.
سيناريو مشابه لما شهدناه في العدوان على قطاع غزة خلال سنة مضت. جولات مكوكية من المفاوضات ومبادرات التهدئة خاضها الوسطاء مع ممثلي دولة الاحتلال انتهت إلى لا شيء بفعل تعنّت الطرف الإسرائيلي غير الراغب أساساً في وقف العدوان على قطاع غزّة.
رغم هذا التشابه، هناك فرق جوهري بين سياق العدوان على غزّة ومفاوضات وقفه وبين ما يحدث في الحالة اللبنانية. يبدأ الفرق من الإجماع الداخلي الإسرائيلي على الحرب ضد حزب الله، على عكس ما هو عليه الأمر في ما يتعلق بقطاع غزّة، والذي تعلو الأصوات بضرورة وقفه وإعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس.
الفرق أيضاً في الخلاف الأميركي الإسرائيلي على غزّة، والرغبة الملحة لواشنطن في تهدئةٍ في القطاع وإدخال المساعدات قبل الانتخابات الرئاسية، وهو أمر غير حاصل في لبنان، فالطرفان متفقان على استمرار استهداف حزب الله وبيئته حتى تحقيق هدف إضعافه وإبعاده عن الحدود مع فلسطين المحتلة. وحتى المبادرة التي جاء بها المبعوث الأميركي إلى لبنان، عاموس هوكشتاين، كانت شروط استسلام.
هذا هدف تشاركهما به دول غربية عديدة، وحتى العربية، المعارضة لسيطرة حزب الله خلال السنوات الماضية على السياسة اللبنانية. وحتى فرنسا التي تنشط لمساعدة لبنان في مواجهة العدوان غير بعيدة عن تأييد هذا الهدف، غير أنها تعارض الوسيلة، أو لنقل "الإفراط في العنف" لتحقيق هذه الغاية، خصوصاً أن باريس اشتكت مراراً من سيطرة حزب الله وعرقلته العملية السياسية في لبنان ومنع انتخاب رئيس للجمهورية لا يوافق عليه.
دول عربية كثيرة أيضاً غير بعيدة عن هذا الهدف، ولا تتوانى عن إظهار ذلك في بعض وسائل إعلامها، والتي باتت تستضيف شخصيات مشبوهة لتوجيه اتهامات وتحذيرات لحزب الله وتنبيهات اللبنانيين من خطورة احتضان النازحين اللبنانيين في مناطقهم، الآمنة نسبياً، على اعتبار أن أفراداً من حزب الله موجودون بينهم، وبالتالي ستكون هذه المناطق "أهدافاً مشروعة" للضربات الإسرائيلية.
الإجماع على العدوان على لبنان، أو الحرب ضد حزب الله، بدأ يلقى قبولاً في الداخل اللبناني، بترتيب مع الدول العربية والغربية، في بحث سيناريو "اليوم التالي" لإضعاف حزب الله أو نزع سلاحه. والكلام الأخير لرئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، الذي كان حليفاً وثيقاً لحزب الله، يكشف الكثير عما يدور في الأروقة السياسية اللبنانية. باسيل تبرأ من تحالف تياره مع الحزب، معلناً أن تياره وحزب الله "لم يعودا حليفين"، محملاً الحزب مسؤولية جر لبنان إلى المعركة عبر فتحه "جبهة إسناد قطاع غزة".
يترافق ذلك الكلام مع تحرّكات وتسريبات عن اتصالات لترتيب انتخاب رئيس للجمهورية، بغض النظر عن رأي حزب الله، وهو ما بدأ الحزب يستشعره، إذ لا يخلو أي ظهور لأحد مسؤوليه، وهو أمر بات نادراً، من دون توجيه تحذيرات إلى الساحة الداخلية، وتهديدات مبطنة بتصفية حسابات بعد نهاية العدوان.
لكن لا يبدو أن هناك نهاية قريبة لهذا العدوان في ظل هذا الاتفاق على أهدافه، بل من المرجّح أن يدخل في مرحلة تصاعدية في حال نفذت إسرائيل تهديداتها باستهداف الأراضي الإيرانية، ما قد يؤدّي إلى مواجهة إقليمية مجهولة النتائج.