لعينيك يا دكتور رفعت
أحسستُ بشيءٍ من الحميّة، حميّة الزمالة في الكتابة والأدب، حينما قرأتُ في الأخبار أن فرنسا، الدولة الاستعمارية التي احتلت بلادي في سنة 1920، اتهمتْ زميلي الكاتبَ الدكتور رفعت الأسد باختلاس المال العام، والتهرب الضريبي.
كنتُ قد أخبرتُ حضراتكم، في مقالةٍ سابقة، أن نوعاً من العسف مارسه الدكتور حسين جمعة، رئيسُ اتحاد الكتاب العرب (في سورية) السابق بحقنا نحن الاثنين (رفعت وأنا)، حينما فَصَلَنا من الاتحاد، موجهاً لي تهمة الانتساب إلى رابطة الكتاب السوريين، وللزميل الدكتور رفعت تهمة الامتناع عن دفع الاشتراكات السنوية المترتبة عليه.
غادر زميلُنا الكاتب الدكتور رفعت الأسد سوريةَ الحبيبة في سنة 1984، ووقتها أبدى رئيسُ اتحاد الكتاب الرفيق الدكتور علي عقلة عرسان نوعاً من بُعْد النظر الاستراتيجي، إذ حافظ على رباطة جأشِه تجاه الحادثة حتى نهاية ولايته في سنة 2005؛... فمن جهةٍ لم يُصدر بيانَ إدانة للحكومة التي عمدت، في سابقةٍ خطيرةٍ، إلى تهجير كاتبٍ مسجلٍ في قيود الاتحاد، وفي الوقت نفسه، تساهلَ مع رفعت في مسألة الامتناع عن تسديد الاشتراكات السنوية، لأسبابٍ عديدة، منها أنه يُقَدّر ظروفَ هذا الإنسان العزيز الذي أصبح مرغماً على العيش في بلاد الغربة، والغربة مُضَيِّعَةُ الأصول كما يقول المثل... ومنها أن الدكتور عرسان لم يكن من النوع الذي يصطاد في الماء العكر. وبالتالي، لم يحشر نفسه في خانة هذا الخلاف العائلي بين الأخوين العملاقين، حافظ ورفعت، ولو أنه عمد، بعد مضي بضع سنوات، إلى فصل رفعت من الاتحاد، لظهر وكأنه يريد أن يوقظ الفتنة النائمة، والعياذ بالله.
قد يقول قائلٌ، من باب الأخذ والرد والمماحكة، إن العدل قضيةٌ لا تتجزأ، وإن على الإنسان أن يستفيد دروساً مما يجري أمامه على الأرض. فالسيد نقيب المحامين السوريين، مثلاً، لم يكن يعلم أن الرفيق أبا جمال عبد الحليم خدام قد دفنَ نفاياتٍ نووية في صحراء تدمر، ومن أين له أن يعلم، وعملُه كله في الطوابع والأضابير والدفوع والمرافعات والاستئناف والنقض وتنفيذ الأحكام؟ لكنه، حينما تأكد من ذلك، في سنة 2005، سارع إلى فصله من نقابة المحامين، علناً، وعلى رؤوس الأشهاد في اجتماع طارئ لمجلس الشعب، بينما هبّ وزير العدل السابق السيد شعبان شاهين ليعلن أن ملفات فساد "خدام" محفوظة لديه منذ سنة 1983، وهو الآن ما عاد يستطيع صبراً، ولسوف يخرجها إلى العلن منذ صباح الغد. وبالقياس على هذا نسأل: لماذا لم يغضب حسين جمعة من رفعت الأسد، فيعمد إلى فصله منذ أن تولى رئاسة الاتحاد أواسط 2005؟
إن هذا التساؤل لمشروعٌ في الحقيقة. ولكن، لو نظرنا، مثلاً، إلى رؤساء الولايات المتحدة الأميركية، لوجدنا أن الرئيس المنتخَبَ يتحاشى، في الفترة الرئاسية الأولى، اتخاذَ إجراءاتٍ ذات طبيعة إشكالية، يمكن أن تعود عليه بالضرر في أثناء ترشحه لولاية ثانية، بينما يخصص الفترة الرئاسية الثانية للإنجازات.. وهذا ما فعله حسين جمعة حينما أجَّلَ فصل الدكتور رفعت إلى فترة الإنجازات.
وفي كل الأحوال، أعتبر زميلي رفعت محظوظاً، لأن قضيته لم تُطرح في عهد رئيس الاتحاد الجديد الناقد الدكتور نضال الصالح الذي لا يحب العَوج، ولا يسكتُ عن زاحلة، ولا يعرف في الحقّ يا أمي ارحميني، وقد شهدناه يفتتح فترته الرئاسية بهجوم كاسحٍ على الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وأمينه العام حبيب الصايغ، لأن هذا الأخير أقدم على فعلةٍ متهورة، إذ أصدر بياناً أعلن فيه تضامنه مع السكان المدنيين في حلب. وهو، بالتأكيد، لا يعلم أن حلب بلد نضال الصالح، وأن سكانها إرهابيون، وأن هناك جيشاً عربياً سورياً باسلاً يحاربهم. أفيرضيك، يا حبيب الصايغ، أن يستوطن الإرهابيون بلدَك، ولا يأتي جيشٌ عربي سوري ليقتلهم؟